من المعلوم أن قضاء طوزخورماتو (دوزخورماتو) كان دوما، في جميع العهود العراقية، جزءً من لواء أو محافظة كركوك. ولكن بقرار مُجحف من قيادة النظام البعثي المُستبد وبموجب "المرسوم الجمهوري" المرقم (41) في 21/01/1976 تمّ إستقطاع هذا القضاء من محافظة كركوك و ضمه الى محافظة جديدة باسم صلاح الدين، اللتي إستحدثها النظام بموجب نفس المرسوم الجمهوري المذكور على أثر تحويل قضاء تكريت الى محافظة. لقد تجاهل نظام البعث في هذا الأجراء التعسفي إرادة سُكان قضاء طوزخورماتو وطبّق قرار الأستقطاع والضّم غصباً عنهم، بُغية الأسراع في عملية تغيير التركيبين الأداري و السكاني لمحافظة كركوك، اللتي بدأها في العام 1975 باستقطاع ثلاثة أقضية منها (جمجمال، كفري و كلار- غالبية سكانها من الكورد) وضمها الى محافطتين مجاورتين من أجل تقليل نسبة السكان الكورد بالدرجة الأولى و السكان التركمان بالدرجة الثانية في محافظة كركوك وفي سبيل زيادة نسبة السكان العرب في الأطار الأداري المصغّر للمحافظة، بهدف عنصري بغيض ألا وهو: تعريب محافظة كركوك بسبب نفطها الغزير، لإبعادها نهائياً عن "منطقة كوردستان للحكم الذاتي" في سياق الأحصاء السكاني اللآحق، خلافا ً لكل الحقائق التاريخية والدلائل الجغرافية الدامغة، التي تُثبت هويتها الجغرافية الكوردستانية و طمساً لكل البيانات الأحصائية العراقية الرسمية، اللتي تُبيّن أغلبيتها السكانية الكوردية. فلقد كانت نسبة السكان الكورد في هذا القضاء طبقاً لنتائج إحصاء العام 1957 (54,7%). وبسبب إجحاف الأستقطاع من محافظة كركوك و الضم الأجباري الى محافظة صلاح الدين المُستحدثة بالذات أصبح هذا القضاء أيضاً ضمن المناطق "المُتنازع عليها" بين النظام البعثي الظالم من جهة والشعب الكوردي المُظطهد من جهة أخرى، وأصبح سكانه الكورد والتركمان المظلومين أساساُ فيما بعد ضحية نتائج هذه الخطة الجائرة من جديد. فبعد سقوط النظام البعثي الفاشي أصبح قتل و إرهاب أبناء وبنات هذين المكونين الأساسيين من سكان القضاء هدفاً بارزاً و سافراً لمجرمي التحالف البعثي-القاعدي، لإفراغ هذا القضاء، تماماً كما يحدث في بقية محافظة كركوك المصغرة ضد سكانها الأصليين من الكورد والتركمان، لأستكمال مخطط البعث الرامي الى تعريب القسم الأعظم من محافظة كركوك. من إجل حل هذه المشكلة العويصة لهذا القضاء أيضاً وتداعياتها الخطرة أُسوة بمشاكل المناطق المُستقطعة الأخرى من محافظة كركوك أي لرفع الظُلم المُلحق بالقضاء ومحافظتها الأصلية من جراء خطة البعث المُفرّقة وسياسته غير العادلة تم الأتفاق بعد سقوط النظام الدكتاتوري البائد على حلها: على أسس تطبيع الأوضاع – بما فيه تعويض المتضررين - وإحصاء وإستفتاء سكان هذا القضاء أيضاً لأتاحة فرصة تقرير مصيرهم وتابعية أراضي قضائهم بأنفسهم، طبقاً لنص المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الأنتقالية (2004)، التي أصبحت أساساً للمادة (140) من الدستور العراقي الدائم (2005). لذلك يُعتبر قرار تحويله الى محافظة، أولاً: مُناقضاً للدستور العراقي وبالتحديد لنصي المادتين 140 و 143. ثانياً: القرار هو ضد الحل السلمي والقانوني لمشكلة المناطق المُستقطعة وتغييرات الحدود الأدارية الجائرة لبعض المحافظات، ومن ضمنها هذا القضاء. ويتمثل جوهر الحل في توصيات لجنة تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي التابعة لمجلس الوزراء بهذا الشأن، بعنوان (توصيات بالتغييرات في الحدود الأدارية للأسباب السياسية في المناطق المُتنازع عليها ومن ضمنها كركوك وفي محافظات وسط وجنوب العراق) والموجهة الى ديوان مجلس الوزراء في العام 2007. ثالثاً: القرار يتجاهل أصلاً إرادة اكثرية سكان القضاء أي أصحاب المسألة المعنيين. لمجمل هذه الأسباب يُعتبر هذا القرار قرارً غير شرعياً وبالتالي غير صائباً.
ولقد تجاهل القرار مطلباً حديثاً لمجلس قضاء طوزخورماتو، حيث طالب المجلس قبل عدة أسابيع، في ضوء الحقائق والمظالم السالفة الذكر و محن جرائم الأرهاب الراهنة، واستناداً الى الحل السلمي والعادل المُتفق عليه وفقاً للمادة 140 الدستورية، باعادة إلحاق القضاء بمحافظته الأصلية كركوك، وبالذات بسبب إستقطاعه منها من قبل النظام السابق في العام 1976 بصورة قسرية. وهذا المطلب قانوني و مشروع لأنه يستهدف إنهاء غُبن سابق واضح وإزالة آثار الغُبن المذكور وتأثيرات جرائم الأرهاب الحالية بحق السكان والأرض بصورة جذرية.
إضافة الى ماسبق هناك مُستلزمات مُعينة يجب مراعاتها عند تحويل قضاء الى محافظة بالأسلوب الصحيح و بصورة عامة في العالم المتمدن وهي: إحترام إرادة أغلبية سكان القضاء، توفرالشرط الجغرافي فيما يتعلق بالمساحة والسكان - أي وجود أو بالأحرى موافقة سكان عدد من الأقضية المجاورة لتكون تابعة للمحافظة الجديدة المُزمع إستحداثها، توفر الظروف الأقتصادية والأجتماعية المُناسبة للتغيير الأداري المُراد – حتى من قبل أغلبية السكان. فهل تمّت دراسة هذه الشروط والمُتطلبات الضرورية للمشروع ضمن بحث علمي خاص من قبل الحكومة الأتحادية لهذا الغرض، للتأكد من جميع مستلزماته وتقييم كافة نتائجه الأيجابية والسلبية المتوقّعة؟ وهل تم أخذ رد فعل أقضية أخرى في محافظات أخرى بهذا الصدد في نظر الأعتبار؟
وهناك موضوعاً مهماً يتعلق بمساحة وسكان قضاء طوز خورماتو الأصليين، فلقد أقدم النظام البعثي على إستقطاع ناحية الداقوق من قضاء طوزخورماتو بعد حوالي خمسة أشهر من ضمه الى محافظة صلاح الدين المُستحدثة، وتمّت إعادة ناحية الداقوق وربطها بقضاء مركز كركوك. وهناك أيضاَ مسألة مهمة جداً تتمّثل في مآسي جزء من سكان القضاء الأصليين، وهم سكان ناحية قادركرم، حيث قام النظام البعثي باستقطاع الناحية من قضاء طوز خورماتو بعد إستقطاع القضاء من محافظة كركوك والحاق الناحية بقضاء جمجمال المستقطع أيضاً من محافظة كركوك بعد ضمه الى محافظة السليمانية. وفي 1/1/1987 قام النظام البعثي بالغاء ناحية قادركرم و وتحويلها الى "أراضي مُحرّمة"، ومن ثم عرّض جزء من سكانها الى أبشع عملية إبادة في إطار حملات الأنفال الظالمة في الأشهر اللآحقة. وبعد سقوط النظام البعثي عاد المشردون الناجون من حملات الأنفال إليها وأعادوا إعمارها. وتُعتبر الناحية الآن جزءً من قضاء جمجمال، وهي تُدار فعلاً من قبل حكومة إقليم كوردستان. ولكن أراضيها (المُحرّمة سابقاً والمؤنفلة لاحقاً) لازالت على الخريطة الأدارية لعهد البعث البائد (خريطة العام 2003) مُلحقة بمحافظة صلاح الدين المُستحدثة من قبله! فكيف يُمكن تحويل ثُلث قضاء مستقطع و مشتت الى محافظة؟ وهل يجوز لمجلس وزراء الحكومة الأتحادية أن يتّخذ مثل هذا القرار بصدد تحويل القضاء الى محافظة على طريقة النظام السابق، أي من دون الأهتمام برأي سكانها ومن دون إجراء دراسة علمية لأبعاد ونتائج المسألة؟ وهل يُمكن إعتبار قرار يُناقض الدستور الأتحادي مشروعاً؟ وفيما يتعلق الجانب الأهم من حياة سكانه المُتبقين في إطاره المُصغّر، أي الجانب الأمني المهدد من قبل الأرهابيين الحاقدين على غالبية سكانه وعلى كل إنسان معتدل وخيَر فيه، ألا يُزيد هذا القرار في هذا الجانب الطين بلّة؟
لهذه لأسباب كلها أعتقد بانه من المُستحسن أن تُعيد رئاسة مجلس الوزراء النظر في القرارات المُتّخذة بصدد تحويل الأقضية الى محافظات بصورة إرتجالية أو بدوافع عاطفية. لأن دراسة هذه المسألة من كل جوانبها بشكل مستفيض و ترجيح المنظار العقلاني لأتخاذ القرارات بخصوص جميع المسائل الحساسة، خاصة في هذا الظرف الدقيق حيث يقف العراق وبوضوح تام على مفترق الطريق، ليس فقط بالغة الأهمية بل وحاسمة أيضاً لتحديد مصير هذه البلاد برمّتها و مستقبل أهاليها التُعساء قاطبة. فالناس في كل الأقضية والمحافظات فى غنى عن قرارات فوقية عقيمة و إجراءات ترقيعية سقيمة، اللتي تُزيد الحساسيات و الحزازات وتعّقد المسألة بدلاً من حلها، حيث يستغلّها الأرهابيون المجرمون وأعوانهم اللآإنسانيون في الداخل والخارج لصب الزيت على النار في سبيل نشر الفوضى العارمة و خلق الفتنة الكبرى بين الناس في هذه الديار الممزقّة والجريحة.
إن أهالي العراق عامةً بحاجة الى قرارات مُفيدة وملموسة في حياتهم ومعيشتهم اليومية والى إجراءات سليمة وشافية لمعاناتهم المُزمنة، تستهدف تحقيق الأمن المفقود و تأمين الحياة المهددة وضمان العيش الكريم للمواطن، فعلاً وليس قولاً. إنهم حقيقةَ بحاجة الى حكام ونواب وساسة يتميّزون بالحكمة والأعتدال والنزاهة ونُكران الذات، وباختصار الى نُخبة خادمة خيّرة ونيّرة: لأنقاذهم بالسبيل الصائب من الأرهاب الآثم الناخر في كيانهم وأجسادهم و من الفساد الجاثم على صدورهم والقاطع لأنفاسهم ومن تجار السياسة المغرورين الفاشلين وتوابعهم المُنتفعين المتسكعين على درب الشعب الملئ بالحُرمان والمآسي وخيبة الأمل. إنّ أهالي العراق المنكوبين من زمن طويل بالقمع والأرهاب والنفاق بحاجة فعلية الى حلول جادة لمشاكلهم الأساسية والى مزيد من فرص العمل، وليسو بحاجة لا الى قرارات غير مدروسة للمجاملة والدعاية الأنتخابية ولا الى المزيد من الأزمات والترهات وأيام العُطل.
مقالات اخرى للكاتب