حزب الدعوة أعلن خلال اجتماع قيادته مؤخرا موقفا جديدا من موضوع الفدرالية. قال انه إذا كان لا بد من إقامة فدرالية فإنه يفضل إقليما واحداً يجمع محافظات الوسط والجنوب¡ لكنه أرجع ذلك إلى المشاورات والنقاشات "المعمقة" مع باقي أطراف "التحالف الوطني" والمرجعية. الموقف يبدو متأخرا، كثيرا، وكلما استمرت هذه النقاشات أكثر كلما خسرت الساحة الشيعية أكثر، وارتفع سقف مطالبها أكثر، ففي حين يقوم إقليم كردي بممارسة شؤونه باستقلال شبه كامل عن المركز، وفي حين يتحرك السياسيون السنة باتجاه الاقليم السني الذي يعلنونه هدفا صريحا، فإن الساحة الشيعية لا تزال منقسمة بين مطاليب خجولة، مرة بإقليم البصرة، وأخرى باحتمال القبول بإقليم واحد للوسط والجنوب.
لا تزال الطبقة السياسية الشيعية في غالبيتها تعيش وهم حفاظها على وحدة التراب العراقي ولا تزال تعتمد منهج الرفض ثم التأني وصولا الى قبول قسري بأمر واقع يرسم بعيدا عنها، ودون أن يكون لها فيه دور يقلل من خسائرها ويحفظ مصالح جمهورها¡ فالساحة الشيعية في جانب كبير منها تتقدم اليوم على قياداتها في الموقف من سلوك شركاء الوطن عندما ألمحت مرة الى استقلال كردستان نهائيا، فيما يزيد آخرون بالدعوة الى تشكيل دولة سومر التي تمثل العراق التاريخي الممتد من سامراء حتى البصرة.
التململ والمطالبات في محافظات الوسط والجنوب، باتت مستندة الى حركة وعي، والى تساؤلات محرجة للسياسيين، ولا يمكن ان تهدأ بإقامة إقليم الوسط والجنوب الى جانب الاقليمين السني الذي ينتظر بلورة قيادته، والكردي القائم اساساً¡ لأن الإقليم الشيعي سيظل في هذه الحالة ممولاً للإقليمين الآخرين، وبالتالي سيستمر الشعور بالغبن وعدم العدالة. فضلا عن أن هذه الاقاليم لن تملك المقومات العملية للاستمرار، بل سرعان ما سيتحول العراق الى ثلاث دول مستقلة عن بعضها تماما يجمع بينها اسم العراق فقط¡ فالإقليمان الشيعي والسني لن يرضيا بصلاحيات أقل مما يمتلكه الاقليم الكردي الذي يتصرف كدولة مستقلة بشكل شبه كامل. ولو حدث ذلك لنا أن نتخيل أي عراق سيكون، وأية فدرالية ستبقى.
لأكثر من مرة سمعنا تصريحات كردية تتحدث عن ترجيح خيار الكونفدرالية للعراق. باعتقادي انه الحل الانجع، فهو اتحاد أخلاقي بين كيانات عراقية، يقوم على التنسيق الطوعي في بعض السياسات العامة، فيما تبقى لكل دولة من دول هذا الاتحاد ثرواتها وجيشها وسياساتها الخارجية المستقلة. ربما يجدر بـ"التحالف الوطني" أن يتجاوز في نقاشه موضوع الفيدرالية، الى الكونفدرالية بين ثلاث دول، أفضل من أقاليم تنتهي بالتقسيم القسري، وبضياع سنوات وثروات ودماء.
مقالات اخرى للكاتب