سانتا كروز بملابسهِ الحمر ولحيتهِ الطويلةِ البيضاء يسكنُ مخيلتي منذُ نعومةَ أظافري وفي كل عيدٍ يمرُّ انتظرُ هداياهُ بفارغِ الصبرِ .
كنت أتساءل دوماً أين يُفرغ بابا نوئيل كيس هدايا الأطفال التي يحملها على ظهرهِ ؟.
ولماذا لم يأت لزيارتي حتى الآن ؟، ومتى يجيْء دوري لاستلام هدية منه ؟
في كل عيد أُمَنِّي النفسَ بأنَّ دوري قد حان لاستلام هديتي منهُ او ربما سيعُوض حرماني تلك السنين بهديةٍ كبيرةٍ يضعها تحتَ السرير .لأجل ذلك كنت اترك الباب مفتوحاً على مصراعيهِ و أفتح جزءاً من نافذتي واحتملُ بردَ كانون على مضاضةٍ لأُيسرَ عليهِ مهمته رغمَ إيماني بأنَّ له قدراتٍ خارقةٍ تُمكنهُ من اختراق الجدران والنوافذ .
أحملْ اخاكَ على سبعين محمل هكذا كنتُ افكرُ وأنا أنتظر بابا نؤئيل فربما أصاب خلل بعضاً من قدرات الاختراق لديه لذلك أضع الحل البديل للمشكلة الطارئة ، كنت أتحين الفرصة لاصطياده والإيقاع به فانصب له الشباك واحتال عليه ، فأغمض عينُ وافتح أخرى ، وأتظاهر بالنوم لعلي أستطيع الإمساك به ، ولو حصل وتمكنت من الظفرِ به لأحتضنتهُ و سكبتُ العبراتَ عنده حتى ابلَّ لحيتهِ ، فقدْ كنتُ أجُهدُ نفسي في البحثِ عن كلماتِ عتاب ٍ القيها على مسامعه وألومهُ على هجرهِ إياي .
كان ابن جارِنا يُخبرني في كلِّ عيدٍ أنَّ بابا نوئيل قدْ حملَ إليه الهدايا ولم أتمالك نفسي من أن اقضم أظافري لأُنفِّس عن ثورة الغضب العارمة في داخلي .
يا آلهي لماذا يتجاهلني السيد العجوز ؟ أ منَ العدلِ أن يحمل هداياه الى ابن جارنا اما كان من العدل أن يَقسمَ الهدايا بيننا ؟ هل أصيب بابا نوئيل بالخَرَفِ ؟ أم انه اخطأ هذه المرة فأراد أن يأتي إلي فذهب مرة أخرى إلى بيته ؟ . كنت أدعو بسرِّي على بابا نوئيل وأطلبُ من اللهِ أنْ يأخُذَ عمرهُ ليحلَّ محلهُ بابا نوئيلاً آخراً أكثر عدالةٌ منهُ .. في آخر عيدٍ لعهدِ الطفولةِ طلبتُ من صديقي أن أبيتَ ليلتي عندهُ لكنهُ رفض بشدة ولؤم شديد .
عدت الى البيت بائساً يائساً وبينما انا انتظر هدية بابا نوئيل أخذتني أغفاءةٌ فطاف بعالمي فأعطاني هديةٍ واعتذرَ إليَّ وقدم لي كيسِ الألعابِ بأكملهِ سررتُ جداً بهداياه وسامحته على ظلمهِ اياي . كنتُ أتمنى أن أطيرَ من مكاني إلى بيتِ جاري لأخبرَ صديقي بأنهُ ليسَ أفضلَ مني .
في فجر رأس السنة تلك استيقظتُ على هدايا بابا نؤئيل ورحتُ ابحث عن الهدايا في كل مكان فلم أجد لها أي اثر فربما يكون أخي الكبير – المشاكس – قد خبأها عني أو إن أبي يحاول أن يمزح معي . كانت صدمة بالنسبة لي بأن هدايا بابا نوئيل كانت مجرد حلم فليس هناك بابا نوئيل ولا هُمْ يحزنون . سنينَ طفولتي شارفتْ على الانتهاء فما هي إلا سنة واحدة وسأطرد بعدها من عالم الطفولة البريء إلى عالمٍ آخر لا يعترفُ به بابا نوئيل حينها سأكون غير مشمول بهداياه. . كانت الحربُ على أشدها حينَ سألتُ والدي عن سرِّ عدمَ مجئ بابا نوئيل فأجابني مازحاً : بأنه أصيب بعيارٍ ناري أثناء عبوره إلى العراق ، فخط الجبهة يشتعل وأنا ابحث تحت السرير عن اثر لبابا نوئيل لكنَّ صديق – اللئيم – أكد لي مجيء بابا نوئيل إلى العراق ليلة أمس .حينها لم يبق عندي اظفر لأقضمه ، بل أكلت حتى جلد أصابعي .
مرت الطفولة البريئة مثل شعاع أو طيف أو سراب وعرفت إن بابا نوئيل الذي كان يأتي إلى ابن جارنا هو والدهُ وهو الجندي المجهول الذي يقوم بدور بابا نوئيل ليدخل السعادة الى قلب أبنه – على حساب تعاستي طبعاً – كم تمنيت أن اخبر ابن جارنا بهذه الحقيقة لأُفسِدَ عليه فرحتهِ لكنهُ كان قدْ انتقلَ إلى مكانٍ آخر ولم اعد اعرفُ أخبارهِ . كان والدُ جارنا مثلي الأعلى في بث السعادة في نفوس اولاده لذلك صرتُ أنا بابا نوئيل لأطفالي فكنت احملُ لهم هدايا الأعياد واضعها تحت الوسادة أو تحت السرير ، لكنني قررت ان أكون بابا نوئيل مختلفاً عن ذاك النوئيل فكنت أقدم الهدايا لهم في كل الأعياد : عيد الفطر وعيد رأس السنة وعيد الأضحى وعيد نوروز وعيد المولد النبوي وعيد الميلاد المجيد واعياد ميلادهم الخاصة . في عيد الأضحى الفائت وبينما احمل الهدايا لأضعها تحت السرير ظفرت بي ابنتي الصغرى (ربى) فأطلقت صرخة أشبه ما تكون بصرخة (ارخميدس) حين صاح وجدتها … وجدتها ، انه بابا لؤي وليس بابا نوئيل كتمتُ أنفاسها وتوسلت إليها أن تحفظ سري عن أخوتها ووعدتني بأن تحفظ السر . وأخبرتها بأن بابا نوئيل موجود لكن الظروف غير ملائمة للمجئ الى هنا واني أنوب عنه لحين تحسن الوضع الأمني ، في العام القادم سوف يعم الأمان والمحبة والسلام وسيأتي بابا نوئيل ليوزع بنفسه هدايا الأطفال . اقتنعت او تظاهرت بالاقتناع ، لكنها كانت تتوعدني قائلة :
بابا اخبر بابا نوئيل بأن يجلب لي (عروسة فلة) وألا افضحهُ أمام الجميع.
أمام هذا الابتزاز الواضح لا املك الا ان استجيب لأوامر ابنتي او يُفتضح أمري أمام الاخرين …
مقالات اخرى للكاتب