ما تجشم (سامي عزاره آل معجون) مشقة السفر بالسيارة من الرياض الى رفحاء لوجه الله تعالى، ولا من أجل سواد عيون اللاجئين العراقيين الذين قرض قلوبهم تراب الهجر والنسيان، فقد اندلعت الإنتفاضة الشعبية الباسلة في آذار/1991 والمذكور يدير من مكتبه الفخم بالرياض أمواله وعقاراته.
وكما فعل الكثير من زملائه في المعارضة العراقية عنّ له أيضاً أن يبادر إلى تشكيل حزب [مرة يقول حزب وأخرى يقول حركة والرجل على ما يبدو لايفرق بين المصطلحين!!] للإنضمام الى صفوف المعارضة العراقية، وإذا أردنا إنصاف الرجل فإنه كان بلا مراء شاطراً، إذ استطاع أن يتفوق على أقرانه المقيمين بالرياض مختصراً الزمن بإسراعه إلى مخيمنا، طمعاً بالإستحواذ على نسبة كبيرة من أصوات اللاجئين،لا بل مخيم رفحاء كله كما كان يأمل!!
كنا نراقب سيارة عزاره (لاندكروز آخر موديل) وهي تخترق شارع المخيم الرئيس، وكان غبار عجلاتها يلطمنا على وجوهنا الضامرة اثر موجات الإرهاب والخوف والتسفير بالقوة، سيارة عزاره سوداء اللون تشبه سيارات وزراء صدام حسين، تمرق كالسهم وغالباً ماتكون مملوءة بالهدايا الخاصة الى بعض شيوخ العشائر، أولئك الشيوخ الذين صدقوا ادعاء عزاره بحصولهم على اذونات خاصة من ملك السعودية، يدخلون بموجبها -حسب ادعاءات عزارة التي مرّرها عليهم- إلى المدن السعودية (حفر الباطن ورفحاء والقيصومة) وغيرها، للإقامة فيها خلاصاً لهم ولعشائرهم من الصحراء وأهوالها.
مجلس عشائر
اقام شيوخ مدينة السماوة ذات يوم مجلساً لعزاره في جامعهم الكبير، خطب الرجل وحلل وصال وجال!، وكان ثمة مجموعة صغيرة من اللاجئين جلسوا يستمعون اليه، يبحثون في كلماته وجمله المرتبكة التي طغتْ عليها اللهجة السعودية عن خلاص طال انتظاره ، وسرعان ما تزايدت أعداد هؤلاء اللاجئين حتى غصتْ الخيمة الكبيرة بهم، يومذاك أدركت عمق الهوة بينه وبين الناس أصحاب الهوية الحقيقية، وقد لمست ذلك من خلال جهل الرجل وعدم قدرته على فهم التاريخ السياسي للعراق، وعجزه الكامل عن التحليل والرؤية المستقبلية وستراتيجية العمل المعارض، وكل ماكان عزاره يجيد ترديده يومذاك هو عبارات تثير السخرية..مثلا: أخوي ياطويل العمر توكل بالله.. تره صدام مايدوم !، يخوي انشاءلله مايصير غير الخير!!،أخواني ولد ولايتي أهل السماوة إذا رب العالمين وفّقنه ورجعنه للعراك راح أبلط كل شوارع السماوة، وخاصة منطقة أم العصافير!، آنه أدري الشهداء كثيرين بالسماوة وإنشاء الله ماكو شهيد ماراح أعوض أهله!!، ولما نطق عزاره الجملة الأخيرة التفت اليه السيد صالح الشرع (أحد شيوخ مدينة السماوة ووجوهها) قائلاً بلهجة شعبية لا تخلو من دعابة وتهكم: ياعمي شتعوض الله يطول عمرك ليش همّه شهيد .. شهيدين.. ثلاثة؟!، وهنا انفجر اللاجئون بالضحك ومعهم طبعا السيد الشرع، بينما راح عزاره يتطلع في الوجوه الساخرة مذهولا!!
بعد قليل خفتَ صوت الضحك عندما سأل لاجىء من الجالسين عزاره قائلاً: أستاذ ممكن لكم أن تشرحوا لنا أفكار حركتكم أو حزبكم؟ الأهداف؟ الشعار؟ التكتيك؟ وغيرهه؟ وعدل عزاره من جلسته، تنحنح قليلا وبدا عليه شيء من الضيق وأخيرا قال: ياطويل العمر إحنه حزبنه [ شرط السجين..أحمر وحلو].
عزاره يرتبك
لم تتوقف زيارات عزاره إلى المخيم (نحن الآن نعيش أواخر العام 91 )، واستمرت محاضراته وهداياه ، سواء إلى بعض الشيوخ أو إلى بعض اللاجئين ممن يجمعون لصالحه إمضاءات بعض من اللاجئين غيرهم.
في إحدي زياراته إلى المخيم وبينما كان عزاره يتحدث إلى مجموعة من أهالي السماوة، إذا بلاجئ يهرول باتجاهه وقد بانت على وجهه إمارات التعب والهلع، خاطب اللاجىء عزاره بحدة قائلا: كوم استاذ حتى تشوف بعينك شسووا الجنود السعوديين باللاجئين بباب المخيم؟!
انتبه عزاره وبانت على وجهه علامات الحيرة والإرتباك، ثم امتدت يداه وعدلتا من وضع عقاله وكوفيته وسأل:أيش فعلوا؟!
-تعال للباب وشوف، الأشقاء السعوديين كما تسميهم أجبروا عددا كبيرا من إخوتنا على العودة الى العراق - قال اللاجىء بلهجة تختلط فيها السخرية بالغضب.
وأسرع عزاره إلى الموكب الكبير بباب المخيم وهناك صافحت عيناه المشهد الأخوي : مئات من اللاجئين ينتظرون داخل حافلات كبيرة مأمورا عسكريا سعوديا وموظفا من مكتب الأمم المتحدة، كانوا رجالا ونساءا حانقين تملكهم الخوف على مصيرهم بعد العودة إلى العراق، لكنهم على أية حال فضلوا نتائج هذه المغامرة على البقاء تحت رحمة السلطات السعودية. قال عزاره لرجل مسن إتخذ له مقعدا في إحدى الحافلات: ليه كده ياعم تبغه ترد للعراك؟! ليه ماتبكه ببلدك الثاني السعودية؟!، إلتفت الرجل إلى عزاره قائلا بغضب: يمعود ماتكفيني شرك لا.... ،ثم التفت إلى زملائه في الرحلة، الذين بانت على وجوههم علامات الأسى والغضب قائلا: شوف الفطير3 يكول السعودية بلدك الثاني؟!
مقالات اخرى للكاتب