لقاء بقايا الجسد العربي المفكك في ظل ما يسمى بالقمة العربية لم يأت في الكويت هذا العام ، بحال أفضل مما كان عليه في سابقاتها في العواصم العربية الاخرى خلال الاعوام السابقة . ربما الجديد في قمة هذا العام ، التغيير الحاصل في خارطة المواقف العربية كانعكاس لتغييرات شهدتها خارطة المواقف الاقليمية والدولية ، شكل الوضع السوري محورها . نتيجة ذلك بقي مقعد سوريا فارغا فيما حضر ممثل للمعارضة السورية لالقاء كلمة وحسب . نتيجة أخرى هي ان الموقفين القطري والسعودي حضرا متنافرين بعد عملية سحب السفراء وتدهور العلاقات .
المشكلة ان التباعد القطري السعودي يشمل كل الملفات الا الملف العراقي ، حيث المواقف متطايقة ونتيجته ان الدعم للمجموعات المسلحة ، المحلي منها والوافد ،يحظى بدعم مزدوج في تركيبة متشابكة ومعقدة . إتضح ذلك أيضا من تصريحات وكلمات الدولتين في القمة وقبلها .
قبل القمة كان تصريح لمدير المخابرات السعودية يفيض تدخلا في الشان العراقي ومصرحا أن وجود المالكي في الحكم يشكل نقطة خلاف - ربما رئيسية - بين واشنطن والرياض . وفي القمة لم تكن كلمتا البلدين بعيديتين عن تدخل سافر في الشان العراقي ولو كانتا في قالب تمنيات بانتهاء العنف في العراق . فكلمة أمير قطر تتحدث عن "إقصاء فئة" و "إتهام طائفة" بالارهاب ، وهو ما يقوله أحد الا أؤلئك زرعوا بذور التفرقة الطائفية وغذوا عملية شحن نفسي ، بالمال والسلاح من أجل ان تتحول التفرقة واقعا إجتماعيا وأمنيا يربك العملية السياسية . إدعى المتحدث القطري ان إن اتهام دول أخرى بدعم الارهاب هو للتغطية على فشل في الحفاظ على الوحدة الوطنية . لكن سؤالا بسيطا يمكن طرحه هنا وهو : ما معنى الحوالات المالية الخليجية الضخمة التي كانت تأتي الى بيروت ومن هناك يعاد تحويلها الى الانبار لتموّل خيم المعتصمين والتي كانت منصاتها منبرا للشحن الطائفي ومن ثم تحولت مكانا لتفخيخ السيارات المرسلة الى بغداد وغيرها . جرائم يحاول محركوها وممولوها بها شق الصف الوطني وخلق حالة انقسام طائفي لياتوا بعدها ويتحدثون عن اتهام طائفة كاملة بالارهاب وهو ما لم يحدث أبدا . دليلنا على هذا هو القادة الحقيقيون في الانبار ممن يقفون مع القوات الامنية لاعادة الاستقرار الى المنطقة . ثم الا يشكل هذا الكلام القطري والسعودي تدخلا في شؤون العراق الداخلية ؟ ماذا لو كان الوفد العراق تحدث عن إقصاء غالبية الشعب البحريني عن المشاركة في السلطة ، بل والقمع المتواصل لها ؟ ماذا لو كان أحد اعترض على القمع الجاري لطائفة كبيرة في المنطقة الشرقية في السعودية وطالب الوفد السعودي باحترام حقوقها وعدم إقصائها ؟
الرد العراقي في القمة كان - برأيي غير كاف فمقابل كل هذه المواقف السلبية ، نتحدث نحن عن تمسكنا بالعلاقة مع الدول العربية دون تمييز بين متدخل ومسالم متطلع الى علاقة طيبة . مشكلتنا ان بعض مسؤولينا يستخدمون الخلق العالي الذي تعلموه في تربيتهم الدينية ، في محافل سياسية تكون الغلبة فيها لصاحب الصوت العالي والمواقف الحادة والاسلوب الهجومي . فليس تهذيبا ولا خلقا عاليا ان نقول لقاتلنا والمتدخل في شؤؤنا : تفضل فابوابنا مفتوحة لاستثماراتك .
في الحكم نحتاج الى "فقه الدولة " وهو أبعد من فقه الفرد وسلوكه.
مقالات اخرى للكاتب