الحديث عن "الارهاب" ومخاطره والضحايا والاضرار التي يخلفها كل يوم في اكثر من مكان في العالم، هو حديث يومي بل هو آني مكرر في كل دقيقة ولحظة ، لدرجة أنه أصبح الخبر او العنوان الاول في كل مايعرض وينشر في مختلف وسائل الاعلام، واحاديث الناس الذين أصبحوا يحفظون كل شئ حول هذا الموضوع، ويعرفون تفاصيله واسبابه وأبعاده ومن يقوم به من الاشخاص والمنظمات والجماعات.
لكن أخطر ما في هذا الموضوع أي "الارهاب" أنه مستمر وينتشر في اكثر من منطقة ومكان وينفذ عملياته ويسقط العشرات وربما المئات من الضحايا الذين تحولوا الى مجرد ارقام في نشرات الاخبار، دون ان يلتفت المهتمون والمتابعون لهذا الامر الخطير الى ضحايا من نوع آخر، غير الضحايا المعروفين ب(ضحايا الارهاب) الذين يستحقون الكثير من الامتيازات والاستحقاقات التي مهما كانت كبيرة فهي دون مستوى تضحياتهم ومنزلتهم.
نقول ان هناك ضحايا للارهاب من نوع آخر لا يتكلم او يشير اليه احد، او ربما يخشى الكثيرون طرحه خوفاُ من وقوعهم ضمن دائرة الشك او تلفيق التهم التي ربما ستحولهم بين لحظة واخرى الى (متهمين وارهابيين) حسب مفهموم السلطة والقانون هذه الايام.
لكن الصدفة أوعدالة قضيتهم هي التي اثارت الموضوعين في وقت واحد، فقد عقد يومي 12 و13 آذار 2014 مؤتمر بغداد الدولي الاول لمكافحة الارهاب بمشاركة وفود أمنية متخصصة من دول ومنظمات عربية واجنبية من اجل تعزيز التعاون في مجال تبادل المعلومات والخبرات واتخاذ مزيد من التدابير والتشريعات الوطنية القادرة على منع الارهابيين من استخدام قوانين اللجوء والهجرة للوصول الى مأوى آمن لهم، واوصى المؤتمرعلى ضرورة وضع تعريف واحد لمفهوم "الارهاب"، وان تسعى جميع البلدان لتطوير المنظومة القانونية الدولية المتعلقة بالاعلام من اجل حظر الخطاب المحرض، وهو محاولة جادة من قبل الحكومة العراقية لطرح مشكلة الارهاب بشكل دولي والبحث عن اسبابها ووضع الحلول المناسبة للتخلص منها اقليميا وعالميا.
لكن المؤتمر لم يشر الى ضحايا الارهاب من الاشخاص الذين يتم القاء القبض عليهم بالمئات والآلاف من قبل قوات الجيش والشرطة وقوات اخرى ملثمة غير معروفة والذين لو تم جرد واحصاء اعدادهم خلال السنوات العشر الماضية لربما فاقت اعدادهم مئات الآلاف، بدليل انه في كل شهر يتم ومن خلال بيانات مجلس القضاء الاعلى اطلاق سراح المئات واحياناً الآلاف في شهر واحد.
انهم الضحايا الغائبون والمغيبون من ضحايا الارهاب الذين يتم القاء القبض عليهم والتحقيق معهم في ظروف اقل ما يقال عنها غير انسانية وفي اماكن مجهولة بحيث يتم انتزاع الاعترافات منهم بشتى الطرق والاساليب غير القانونية.
وتمثل الدورة القانونية لاتفاقية الامم المتحدة لمناهضة التعذيب التي شهدتها اربيل عاصمة اقليم كوردستان يومي 12-13 مارس 2014 خطوة جادة وشجاعة من اجل الالتفات اليهم وبيان مأساتهم الغائبة.
لقد اجمع المشاركون من القضاة وقضاة الادعاء العام والمحققين العدليين واعضاء من مجلس النواب العراقي وهيئة حقوق الانسان ومحامين وناشطين في منظمات المجتمع المدني في مناقشاتهم ومداخلاتهم على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي اعتمدتهاالامم المتحدة وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 39/46 المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1984 والنافذة من تاريخ 26 حزيران/يونيه 1987، التي انضم اليها العراق عام 2011 والتي تفرض على الاطراف الموقعة عليها جملة التزامات اهمها احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وعدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، حيث عرفت المادة الاولى/1 "التعذيب" بأي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.
ان اهمية دورة اربيل هو سعي المشاركين صياغة قانون يمنع التعذيب في العراق وتعديل القوانين العراقية بحيث تتماشى مع الاتفاقيات التي وقعها العراق والتي تمنع استخدام التعذيب من اجل الحصول على الاعتراف الذي اصبح مع الاسف (سيد الادلة في القضاء العراقي) وهو في حقيقته (أخطر وأسوء الادلة) الذي يموت العشرات والمئات من الموقوفين اثناء الاستجواب والتحقيق وهم بحق ضحايا الارهاب.
ان مكافحة الارهاب تنجح عندما يأخذ كل صاحب حق حقه ويكون الالتزام بالقانون عملاً تطبيقاً وليس وعوداً وقولاً وكما هو موجود اليوم، لأن القوانين العراقية وبالرغم من وجود العديد من العيوب فيها، الا انه لو تم الالتزام بالقليل القليل منها لما وصلنا الى ما وصلنا اليه من عراق الارهاب والتعذيب وانتهاك حقوق الانسان والقوميات والطوائف والاديان.
مقالات اخرى للكاتب