ومُذ أوقد كاوه الحداد نيران نوروز في الرُبى الخضراء معلناً بدء ثورة الجائعين على نظام الطاغية (الضحاك) تعالت في الآفاق كلها بيارق النصر العظيم على قوى الظلم والقهر والاستبداد .. فأنتصر الانسان على وحوش الظلم وكواسر قمع البشر منطلقاً في الآفاق الرحبة رافعاً راية الحرية والتوثب والانعتاق ليصبح يوم 21آذار من كل عام .. يوماً قومياً للشعب الكردي ..
ومن حسن الصدف ان يتوافق هذا الانتصار مع يوم الانقلاب الصيفي حيث تتساوى ساعات الليل مع ساعات النهار .. في ظل خضرة الطبيعة الزاهية واحتفالها بذوبان الثلوج وتفجر العيون وانطلاق الجداول الرقراقة الصافية كأنها انبجست من امواه الجنة .. وطيور الروض تشنف الاسماع والوجدان بأعذب الهديل وأجمل الانغام والالحان .. في عرس أخضر زاه لا مثيل له ولا نظير له . أعياد كل البشر .. هذا هو النوروز .. المتكون اصلاً من كلمتين كرديتين هما ( نه و) بمعنى الجديد و (روز) بمعنى اليوم وبدمج الكلمتين أصبحت كلمة (نوروز) تعني اليوم الجديد .. وهو يوم العيد القومي الكردي ويوم الانقلاب الصيفي , فالسنة الكردية الجديدة (2717) تبدو هذا العام محملة ببشائر النصر العظيم على قوى الظلام والتخلف والتدمير .. قوى داعش الضالة المضلة وزوال ظلها الثقيل من سماء العراقيين المظلومين ان شاء الله … الى الأبد.
وعندما تسلَم إمام الأمة الاكبر (علي بن طالب)(ع) زمام خلافة المسلمين في ( الكوفة) عاصمة الخلافة الراشدية الثانية .. تقدم منه بعض الكرد وقدَموا له طبقاً من الحلوى اللذيذ .. ولما ذاقها الامام علي (ع) استطاب طعمهاً وقال لمقدميها : ما هذه ؟ فقال له : إنه لنوروز وهذه بعض حُلُوياته. فقال لهم مستحسناً : نيرزونا كل عام لم يردعهم الامام العظيم ولم يضربهم على ايديهم بل ولم يتهمهم بالابتداع كما يفعل الدواعش الاراذل وادعياء الدين المزيفين .. في كثير من الاماكن .. اليوم …إنما قال لهم وبيده أمر أهل الارض جميعاً يومئذ (نورزونا او نيرزونا كل عام).
وهذا في رأيي أعظم المواقف في إقرار حقوق الناس وتركهم احراراً فيما يعتقدون ويفكرون دون قيود او عوائق , لقد كان هذا الصنف الاعظم من الرجال هم حملة راية الاسلام الحقيقيون وليس الدواعش الكفرة الفاجرين الذين آذوا العباد وعاثوا في الارض الفساد .
وفي 21/3/1970 نشرت صحيفة التآخي البغدادية الغراء كلمة بعنوان (من يأتي معنا الى كردي سيْوان , ليأكل اليابراغ عند بيرة ميرد) للشاعرة العراقية الكبيرة المقالة اساساً كانت مستندة الى حقيقة أن الشاعر الكردي الكبير المرحوم (الحاج محمود توفيق المصرف) والمعروف بـ (بيرة ميرد) أي (العجوز) كان قد احيا عادة كردية قديمة .. وهي دعوة مجموعة كبيرة من الشباب لإيقاد النيران في الهضبات المطلة على المدينة إيذاناً بمقدم العيد وإنطلاق فعالياته البهيجة ..
وكان المرحوم الشاعر (بيره ميرد) قد اختار (تلة مامه يارهسيوان) التي تزهو بمدافن شهداء الكرد من أجل الحرية والديمقراطية والحياة الافضل ..
إختار الشاعر هذه التلة لإيقاد نيران نوروز .. لتصبح فيما بعد سُنة جميلة يمارسها ابناء المدينة الباسلة كل عام مع قدوم نوروز .. ولمجرد إشعال النيران تنطلق فعاليات الرقص والغناء وترديد الاناشيد الثورية وفي مقدمتها نشيد نوروز للشاعر بيره ميرد نفسه .. والذي لحنه الموسيقار الكردي قادر ديلان ليصبح مارسليز الشعب الكردي .. يتلوه في هذا العيد وغيره : مثلما تتشكل ايضاً حلقات الرقص والدبكات الكردية إحتفالاً بهذه المناسبة السارة .. التي تتسابق النسوة ايضاً في إظهار مهارتهن في طبخ اشهى الاكلات ومنها البرياني (اليابراغ) أي (الدولمة) التي تصنع غالباً من اوراق السلق الاخضر او اوراق العنب حسب الموسم ..وتملأ باللحم المثروم والجوز واللوز ايضاً… لتقدم في صواني يتصاعد منها بخار حرارة الطبخ ..حارة للمحتفلين ..
ويبدون أن شاعرتنا الكبيرة زارت المنطقة واستطابت طعم (اليابراغ) في مضايف بيره ميرد وهناك من يدّعي بأن النار مقدسة معبودة عند من يحتفلون بهذه المناسبة بإيقاد النيران .. لكن الواقع يدحض هذا الرأي لأن النار محترمة لديهم لصفاتها في توفير الضوء والحرارة وليس لذاتها كما يزعم البعض .. لأن الكل يعلم بأن شتاء كردستان طويل وطويل جداً وقد تتساقط الثلوج لفترة طويلة وتقطع حتى طرق الاتصال والمواصلات علاوة على إنعدام وسائل الاضاءة الحديثة المعروفة حالياً في سالف العصور والدهور ..
هذه في المسببات ادت ان تكون للنار منزلتها الخاصة عند تلك الشعوب وليس لمسائل تتعلق بالعقيدة .
وأخيراً نقول سلام على الارض والخضرة والجبل والتل والبشر والحجر .. سلام على النوروز .. جامعنا جميعاً للاحتفال بعيد الطبيعة والربيع وبعيد الكرد القومي.
مقالات اخرى للكاتب