في المعارك الوطنية الكبرى ، تبرز العديد من المواقف ، بعضها يسجل في سفر التاريخ ، ويبقى حكايات وقصصاً للاجيال الحاضرة والقادمة ، وبعضها الاخر يشكل اسوأ ماعرفته تلك المعارك الوطنية ، وما يكتب في محاضر الدواوين والكتب من سلوكيات انتهازية واختفاء تحت عباءات النسوة الهاربات من الموت القسري ، والاعدامات المجانية الجماعية . وهذا النوع من الناس كشفته معارك الموصل الوطنية ، التي يخوضها جيشنا الباسل وقوات الحشد الشعبي الميامين والبواسل الوطنيين من الحشد العشائري .
نقول ذلك ليس نكاية بأحد ، وإنما كشفا للحقائق لكي تطلع الاجيال بعد ذلك ، كم هي كانت قاسية معركة الموصل ، وكيف استبسل فيها الرجال دفاعا عن العراق ، وكم هي مريرة الحياة السياسية والاخلاقية والانسانية في العراق في زمن تلك المعركة ، عندما يختفي ممثلو الموصل في البرلمان والوزارات المدنية عن تلك المعركة ، وكم هي مأساة الحياة السياسية في العراق في هذه المرحلة بالذات عندما تصدح اصوات الانتهازيين باسم الموصل وتختفي تلك الاصوات تماما عندما تشعر بأن الدفاع عن الموصل له ثمن ، فبعضها يختار كراسي البرلمان انشودة لترديد اسم الموصل ، والبعض الاخر يذهب بهذا الاسم لمؤتمرات الرذيلة في انقرة وغيرها من المدن والفنادق .
من يحمل تمثيلا اسم الموصل أو أي مدينة ومحافظة عراقية ، يجب أن يكون في أول خطوط الدفاع عنها ، عندما تتعرض لغزو فكري وسياسي وعسكري ظلامي ، وعندما تصبح قضية خلاصها مسألة مرتبطة بالوجود الوطني العراقي برمته ، ولعل ماحصل للموصل بتواطؤ محلي مع المشروع الخارجي يشكل اخطر ماواجهه العراق في تاريخه المعاصر ، وهنا تبرز حقيقة المواقف في الدفاع عن تلك المدينة فمن لبس ( الخاكي ) أو تطوع للقتال في أي موقع كان في خلفيات المقاتلين أو في الصفوف الامامية يعتبر احد الصفوف المقاتلة ويظل محفورا في ذاكرة الموصليين تحديدا والعراقيين على وجه العموم ، وهو يمثل واحدا من الاصوات الحقيقة التي عبرت عنها تلك المرأة الموصلية عندما ناشدت المقاتلين والمطر ينهمر فوقها وهي حافية القدمين وعلى رأسها زوادة خبز ( انتم وحدكم شيلة الراس ، انتم ضحيتم بشبابكم من اجل الحياة لنا ) أما اولئك الذين حملوا اسم الموصل واختفوا بين كراسي المسؤولية وبطاقات الدعوة للاجتماع العاجل في انقرة أو الذين ظلوا يتنقلون بين هذا الحزب وذاك الكيان وهذا المسؤول وتلك المحضية فهم والله لايتجاوزون في الاعتبار عفطة عنزة .
ذهبت لمقبرة وادي السلام في النجف وبالطبع مقبرة خان ضاري في ابو غريب والغزالي في الشيخ عمر ومقبرة الشيخ معروف لاتقل ازدحاما بالناس ، والشهداء العابرون من النبي شيت والنبي يونس الى مرقد الامام علي بن ابي طالب لزيارته وتقديم وداع العهد والنوم بسلام بجوار الامام حتى يأذن الله محاكمة الجميع وانزال العقاب بمن زل وخان الوطن وتخلى عن القتال دفاعا عن شرف العراقيات ومن استمرأ الجلوس في المقاعد الخلفية وقت شدة ارتفاع اصوات النساء من وجع اغتصاب النفس والعرض والشرف والوطن .
إنها محنة حقيقية ، عندما يذهب الجياع دفاعا عن الوطن ، ويبقى السراق الحاكمون والمسؤولون في مراكز الدولة وكيانات الاحزاب والكتل يفتشون عن طرق ووسائل البحث عن عمليات اقتناص السلطة والدولة في مرحلة الانتخابات القادمة لمجالس المحافظات ومجلس النواب ،منافق بامتياز ذلك الذي يطلب من الناس انتخابه وهو لم يقدم شيئا لهم ولا للوطن ولا لمدينته، وسخيف بامتياز ذلك الذي يزعم بانه ممثل عن الموصل وهو يسمع حتما كما نسمع نحن ، بان الناس تحكي بان هؤلاء الذين باعونا واولئك الذين وضعونا في سوق المزايدة هم المسؤولون عن مصيبتنا ويريدون يتشيخون مرة اخرى علينا ..؟ان المواطن مطالب باليقظة والتنبه الشديد ، وان يفرز بين المضحين المقاتلين دفاعا عن الموصل واهلها ، وبين الذين يفتشون في اسواق الدول ومراكز البيع المباشر عن فرصة العودة للرياسة ، نعم الفرز ضروري جدا لكي نبني دولة المواطنة ، ونحمي البلاد من التشظي والمال العام من النهب من فروخ الحرامية ، وهنا يصبح صوت الحق الذي نطقت به المرأة الموصلية هو الفاعل في كشف زيف الممالرسات والسياسات الانتهازية ، وبدون ذلك لايمكن أن نتخلص من دواعش المال ودواعش تفكيك العراق ..
مقالات اخرى للكاتب