بعد انتظار تحقيق وعود الرئيس الأميركي إبّان حملته الانتخابية، بالقضاء المُبرم والنهائي والحاسم على داعش، فوجئنا بالخطة التي اعتمدها لتحيق ذلك الهدف، بما في ذلك التعهد بقصفة للتنظيم الإرهابي من الجحيم، لنكتشف أن خطته الموعودة لا تتجاوز كثيراً نهج سلفه التي أثبتت فشلها على كل صعيد، والتي انتقدها ترامب بقسوة
مُتهماً صاحبها بعدم امتلاكه ستراتيجية لمحاربة الجماعة الإرهابية، ولنكتشف أن ترامب يدعو إلى استمرار القصف، وتعزيز الدعم ومساعدة القوات المحلية لاستعادة الموصل والرقة، وتجفيف مصادر دخل المنظمة الإرهابية، والعمل على استقرار المناطق المحررة من داعش، وهي أهداف لا تفى بتعهداته في طمس داعش تماماً من الكرة الأرضية وبسرعة كبيرة، ووصفها محللون عسكريون أميركيون بأنها تلائم القول المأثور «مجرد محاولة أكثر صعوبة من خطة أوباما».
ليس منصفاً إنكار أن خطة ترامب، تتضمن زيادةً في قوة العمليات الخاصة الأميركية المتواجدة في سوريا، وزيادة مقترحة في أعداد المروحيات الهجومية والمدفعية، وزيادة إمدادات الأسلحة إلى القوات الكردية والعربية المقاتلة ضد داعش في سوريا، والتوجه لإلغاء القيود التي فرضها أوباما على قوة العمليات الخاصة الأميركية في سوريا، والمتكونة من 500 مدرب، حيث نصّت استراتيجية أوباما على عدم إشراك العناصر الأميركية في الخطوط الأمامية، أما الخطة الجديدة فتكشف توجهاً لدفع العناصر الأميركية إلى الصفوف الأمامية للقتال، فضلاً عن منحهم صلاحيات التصرف دون الرجوع إلى القيادة في واشنطن، مع وعود لأنقره بعدم امتداد سيطرة القوات الكردية إلى غرب الفرات، وهو أمر نال استحسان الأتراك، الذين تقدموا بالفعل للسيطرة على محيط مدينة الباب في العمق السوري.
ما يُميّز خطة ترامب عن خطط سلفه، أنها تتسم بمزيد من السرعة للتعجيل بهزيمته، وأنها تسعى لإقامة مناطق آمنة داخل سوريا، لكنها ستعتمد على مواصلة استخدام القوة الجوية، المبنية على الاستخبارات في تحديد أهدافها من طائرات مسيرة وأخرى يقودها طيارون، وإذ يعتقد البعض أن ترامب سينجح في هزيمة داعش قبل انتهاء ولايته، فإن ذلك لايعني اختفاء هذا التنظيم الإرهابي، حيث سيتوارى عناصره تحت الأرض عائدين للعمل السري، ومُستمرين بالقتل والتشويه وخلق الفوضى، ولذلك لايستبعد المراقبون ميل ترامب إلى التوغل أكثر من الناحية العسكرية، دون التفكير بكيفية إدارة المناطق المحررة من الدواعش، ويرون أن عليه في هذه الحالة تعلم الدرس من خطأ أوباما، المتمثل في تدخل قوات الناتو في ليبيا، وإسقاط حكم القذافي، دون الإعداد للمرحلة التالية.
خطط ترامب تتميز بتأكيدها على العناصر غير العسكرية للحملة التي ينوي تنفيذها، مثل الضغط على تمويل داعش، والحد من قدرتهم على تجنيد المزيد من الارهابيين، والتصدي لدعايتهم بشن هجمات في أمريكا وأوروبا، غير أنها ستواجه بأسئلة صعبة، من بينها طبيعة الدور العسكري الروسي في سوريا، في ضوء إعلان ترامب رغبته في العمل مع روسيا ضد داعش، ما يعني خلافاً مع البنتاغون، المُتمسك بعدم الذهاب إلى ما هو أبعد من الاتصالات العسكرية، للتنسيق تفادياً للحوادث الجوية فوق سوريا، وفيما يؤشر آخرون بأن الخطة تتسم بطابع واسع ودولي، وبحيث تتخطى محاربة داعش عسكرياً فقط، وأنها لن تقتصر على العراق وسوريا، فإن ذلك يستدعي تفاهمات دولية، وليس فقط اتفاقاً بين أركان الادارة الأميركية لايبدو أنه قريب المنال.
وبعد فإن ترامب يواصل إطلاق وعوده باقتلاع شر داعش من جذوره، من خلال التعاون مع الحلفاء، ويُشدد على أن إدارته ستعمل على توفير الحماية اللازمة لحدود بلاده الخارجية، لمنع الإرهابيين من التسلل عبرها إلى بلاده، مُذكّراً بما تشهده بعض الدول الأوروبية من الهجمات الإرهابية، ولتحقيق هذا الهدف يطلب ميزانية هائلة لتحديث القوات المسلحة بالكامل، وعلى أساس إيمانه بالحفاظ على السلام بواسطة القوة، وهو لذلك أصدر مرسوماً يقضي ببدء إعادة تنظيم القوات المسلحة الأمريكية، وهنا يبرز السؤال عن أي حلفاء يتحدث؟، وبعضهم متهمون بالأدلة بتمويل داعش المُنتمية لنفس فكرهم التكفيري، والسعودية أكبر مثال على ذلك.
مقالات اخرى للكاتب