من الواضح ان الحكومة العراقية لم تنجح في التعاطي مع الرغبة الوطنية الشعبية لوحدة العراق ، وانتهت الى تطبيق ادوارها في قرع اجراس التقسيم ، مرة بأخطاء العسكر واخرى بأخطاء لأجندات الحزبية وثالثة بأخطاء تأسيس دولة قائمة على مبدأ الانتقام الجماعي .
ومشكلة هذا التقسيم لم تقرع اجراسه سياسيا بل عبر اليات مفزعة من الاحاديث الطائفية اتي حولت الشعب العراقي اولا الى مكونات وفقا لأجندات الاحزاب، فقزت الطائفية السياسية والعرقية العصبية المتعطشة للدماء من اليات الحديث عن البعث الصدامي وتنظيم القاعدة الى انموذج صريح للحرب ما بين شيعة وسنة، وبين عرب واكراد، مقابل احاديث تدورعن تنازع الصلاحيات في سلطة المال والقانون بين المركز والاقليم الكردي وايضا بين المركز والمحافظات السنية ، انتهى بالحديث الصريح من القوى العشائرية السنية عن نفوذ ايراني جعل الاحزاب الشيعية لا ترى مصالح الوطن والشعب والدولة الا بما ترضى به قم وطهران لهذه الاحزاب، التي سارعت هي الاخرى لاتهام هذه الاعتصامات بانها اداة طيعة بيد تركيا التي تسعى لإعادة العثمنة للعراق من خلال ساحات الاعتصام ناهيك عن اتهامات مباشرة لقطر وغيرها من دول الخليج العربي التي لم توافق على احتضان احزاب المعارضة الشيعية خلال حقبة الحرب العراقية الايرانية بسبب مساندتها لنظام صدام حسين في دفاعه عن " البوابة الشرقية للوطن العربي "!!
وحين نحاول مقارنة ما حصل في لبنان ومن قبله قبرص ومن ثم الصومال ، والان في سورية ، فواقع الحال ان التدخل الدولي لم يسارع للانتهاء من هذه الازمات الا بعد سنوات من الجبر السياسي ومعادلات الاواني المستطرقة في لعبة الامم ومصالح الاضداد ، لكن عراق اليوم الواعد بصادراته النفطية وعوائد ها الاستثمارية ، يختلف كليا عن تلك التجارب السابقة او التجربة السورية الحالية، مما يتطلب حلولا عاجلة ومستعجلة، بدأت في مشروع السيناتور السابق ونائب الرئيس الاميركي الحالي جوزيف بايدن ، لتقسيم العراق الى 3 كونفيدراليات ، تتوحد في العاصمة بغداد ، وكان هذا المشروع الاكثر تطابقا مع مشروع المجلس اسلامي الاعلى لفيدرالية الوسط والجنوب التي تبدأ من بغداد لتنتهي في حدود العراق الجنوبية ، ولم يتم تطبيق هذه المشاريع الفيدرالية وفقا لمنطوق الدستور العراقي ، لان وعي الجمهور اعلى من وعي الساسة ، في رفضهم لهذا المبدأ " الدستوري" مثله مثل رفضهم لمبدأ " ولاية الفقيه"، لذلك فاشتعال نيران حروب التقسيم الطائفي التي ستجعل نموذج هجرة المسلمين في الهند بعد تأسيس جمهورية الباكستان ، اكثر تأثيرا في انتقال الشيعة والسنة من مناطقهم في عموم العراق ، وفقا لما سبق وان كرر التأكيد عليه النائب جواد البزوني المستقيل من دولة القانون .. والسؤال كيف يمكن تفكيك العشائر العراقية التي تنقسم الى شيعة وسنة ؟؟
مشكلة الاحزاب العراقية انها لم تقرأ الواقع العراقي جيدا ، واكتفيت بطاعة " الولي الفقيه" في قم من اجل تأكيد الولاء له ، وتعزيز نفوذه في العراق الجديد، فلم تغادر اليات الانتقام الجماعي فيما عرف اصطلاحا ب" العدالة الانتقالية " وهكذا مع اول ضغط شعبي على الحكومة من الجمهور السني حتى بدأت قرارات الحكومة تتوالى في تغيير اليات تطبيق قانون المساءلة والعدالة ، رفع الحجز عن اموال ودور سكن بالألاف، والسؤال البسيط لماذا لم تغادر الدولة هذه الاليات قبيل الهيجان الشعبي، الم توافق هذه الاحزاب على منح الدكتور صالح المطلك منصب نائب لرئيس الوزراء وهو الذي اجبر على عدم خوض الانتخابات من قبل هيئة المسائلة والعدالة !!!
والاجابة بوضوح ان هذه الاحزاب وافقت على اعادة اعتبار المطلك لان مصالحها انسجمت مع ذلك ، لكنها لم تنسجم مع اليات الدعاية والتثقيف لقواعدها الشعبية ، بالانتقام من البعثيين ككل ، وهكذا انقسم الشعب الى سنة متهمين بالدفاع عن البعث والنظام السابق، وشيعة متهمين بسرقة المال العام والفساد الاداري وهكذا اخذت اجراس التقسيم تقرع مع كل مناسبة يطرح فيها شقي هذه المعادلة بأفعال خارجية او داخلية ، والرابح الوحيد هم امراء الطوائف الذين نصبوا انفسهم على الشعب من خلال صناديق الاقتراع التي غادرها اغلب المثقفين في ابسط انواع الاحتجاج في الامتناع عن التصويت لكن هذه المرة يبدو ان الموضوع تعدى المماحكة والخطابات الانتخابية المتشنجة الى بسط خرائط التقسيم على الارض بتشكيل جيوش عشائرية مقابل مليشيات وجماعات مسلحة تفرض واقعها اكثر مما تفرضه تلك التصريحات الهوجاء وان غدا لناظريه قريب .
مقالات اخرى للكاتب