أن ما أفرزته الأنتخابات الأخيرة من عزوف ونتائج يعد مؤشرا حقيقياعلى رصيد الأحزاب السياسية ومكانتها لدى الجمهور العراقي، الذي تجاوز مرحلة أن يكون ألعوبة، يوجهها أصحاب المصالح حيث شاءوا ورغبوا تنفيذا لمآربهم ومطامعهم الضيقة، وأن أي سياسي يضع مثل هذه الأهداف في مخيلته يكون كمن حفر قبره بيده، واضعا حدا غير مشرفا لمصيره السياسي . ليس عيبا أن يكون السياسي ميسورا غنيا ولكن المعيب هو أن يستغل مركزه السياسي للوصول الى هذه الغاية، التي كانت تفتعل في داخله وأختمرت عندما أصبح مسؤولا فيبدأ باستغلال مصالح الشعب لفائدته ويبدأ بشراء العمارات والأطيان في داخل العراق وخارجه ( وبين أبناء الشعب من ينبشون في أكداس القمامة )، وهذا ما عالجته ( الفساد ) الدول التي سبقتنا في مجال الشورى الحقيقية والانتخاب الحضاري، فشرعت أنظمة وقوانين تحاسب أشد الحساب كل من يستغل المركز الحكومي لصالحة، وسبق وان سمعنا بطرد رؤساء من البيت الأبيض لهذا السبب، مثلما حصل مع فضيحة ووترغيت، وما سمعنا عن أستقالات الكثير من الوزراء والمسؤولين في دول عديدة، أذا ما ثبت تمريرهم لقضايا خاصة عن طريق موقع عام، لدرجة أن الأمور وصلت الى حد معاقبة المسؤول الذي يقوم بتعيين صديقه أو صديقته في مكان مهم بلا أستحقاق، عندها يكون الحساب عسيرا ويطاح بالمستقبل السياسي لهذا المنتفع . أذا كانت القوانين الصارمة في الدول المتقدمة هي التي تردع المسؤول عن أختراق حقوق الآخرين والتجاوز عليها، فأن ما لدينا في الوقت الحاضر هو أضعف من أن يصل الى هذا المستوى، ولم يبقى غير أن يعول على صوت الناخب، والنزاهة في اعلانه على الملاْ بلا غش أو تزوير كملجأ وحيد لكبح جماح الفساد المتفشي بسرعة بين عناصر متقدمة في السلطة . يحز في قلوبنا أن يستعرض لنا التأريخ أسماء ساسة لامعين في فترات سابقة من القرن الماضي كانوا قدوة حسنة ومشرقة لشعوبهم وما ذكروا الا وذكر الخير معهم وأصبحت بلدانهم اليوم ذات شأن وتحضى بالأحترام بفضل هؤلاء الذين ضحوا بملذات الحياة كي تسجل مواقفهم بأحرف من نور في جبين الانسانية . غاندي مثلا مؤسس الهند الحديثة لم يترك أرثا غير نظارات رخيصة الثمن غالية المكانة ولكنه خلف للهند أسما تفتخر وتباهي به الأمم، وكذلك فعل ماوتسي تونغ الذي رسم الطريق الصائب للنهضة الصناعية والأقتصادية لبلده، الذي كان بالأمس القريب يعاني من شح الحياة، ومثلهما فعل نيلسون مانيلا عندما رسخ الوحدة الوطنية لدولته بالرغم من طول فترة التناحر والاقتتال القاسي، الذي تعرض له شعب جنوب افريقيا آبان الاحتلال البريطاني. أذا ما اراد العراقيين أن يذكروا ويفتخروا بقائد في تأريخهم الحديث، لن يجدوا غير عبد الكريم قاسم من حيث الخلق الرفيع والشجاعة والنزاهة وحب الخير للآخرين، لذا فأن الأجماع شبه شامل من قبل عموم الشعب على تملكه لهذه المواصفات، أما الذين في قلوبهم مرض فهم خارج معايير المقارنة أو حتى تبني أرائهم . ليس خافيا على الشعب من هم الذين يقومون بتحويل الاموال خارج البلد لمنافعهم الخاصة لأن ما هو سرا في الداخل، مفضوح في الخارج، وتتحدث عنه الجالية العراقية في بلدان المهجر ويرتد الخبر راجعا ليكون حديث الناس في الداخل . من كل هذا نرى أن على الكتل والأحزاب ان تحزم امرها وتتعامل مع المحسوبين عليها بمهنية، وأن تقرر على ضوء ذلك واحدا من طريقين: أما السياسة، أو التجارة، أذا كانت فعلا حريصة على سمعتها، ومصلحة الشعب، خاصة وأن الأمثال العراقية لم تترك بابا من دون أن تطرقه ومن بينها ( رمانتين أفد ايد ما تنلزم ) . والا فأن مصيرها ليس بأفضل من مصير حصان حلبة السباق الذي يركض في بدايته ويتعثر بعد حين وحتى قبل الوصول الى خط النهاية.
مقالات اخرى للكاتب