الكثيرين قد لا يروقهم ما مكتوب هنا و لكن هذا هو المعتاد فالحقيقه مره كما قال شوقي يوما " إن الذي جعل الحقيقة علقما...."، ولكنها كلمات قد تجد من ينصت لصوت ما وسط هذا الضجيج المتعالي يوميا ، فعلاقة المثقف بالسلطه لها اول و ليس لها اخر و خصوصا في هذا الشرق فمنذ بدايات القبيله و لكل قبيلة شاعرها الذي يخلد بطولاتها و بطولات أسيادها بل ان الشاعر كان هو احد اهم دعامات الحكم و من اسباب تثبيته و كانت السلطه تستمد منه اسباب الشرعيه فتجعله بوقها الاعلامي كما هو مصطلح عليه اليوم بينما هو يستمد القوه منها و الوجاهه و المال و الاستقرار.. فيمكن القول ان لا واقعيه في الثقافه و المثقف و الشاعر و الكاتب والأديب و لا اخلاقيه .. ربما يمكننا معالجة الاولى عبر اشتراطات تستثني فلان و تبعد فلان و تشمل آخرين ، اما الثانيه فتعتبر من اشد المعضلات الانسانيه في كل انحاء هذا العالم، فرمز المانيا الاول ادبيا غوته كان ينحني لنابليون بينما بتهوفن لم يفعل و من هنا نجد الارتباك يحيط بكل الحروف التي تعلقت باراءه الفكريه و تزرع خللا في عقيدة كل قاريء للكاتب الكبير غوته و تطرح ازدواجية بين المكتوب و الواقعيه عندما يقرأ المتلقي هذه الحادثه بينما تزيد المعجبين بالموسياقر العظيم بتهوفن نشوة و شموخا فور سماعهم خبر عدم انحناءه للامبراطور نابليون متفاخرين بالمثل الاخلاقيه العليا .. و نحن في مشرقنا ماذا كسبنا؟ ماذا تعلمنا؟ موروث ديني هائل لاكثر من ٤٠٠٠ سنه و منظومة اخلاقيه نفسيه مثاليه حتى و ان لم تكن واقعيه دوما و لكنها موجوده و تناقلتها العقول و القلوب من سنوات و سنوات و فكر و ادب و فلسفه كونيه و تجرد صوفي متميز يجعل مغريات هذا العالم بلا قيمة امام المثل الروحيه التي ترفع الانسان نحو صفاء اعظم !! و لكن ، هل القيم الاخلاقيه يمكنا ان نتعلمها و نتوارثها؟ ام اننا يمكن ان نتعلم تدريجيا كيفية التحايل عليها و الالتفاف بكل مكر متسترين بالايديولوجيات المتجدده حتى نجد انفسنا مفلسين إنسانيا في هذا الركب العالمي ؟!! الضفة الاخرى تقول ، ربما نحن هكذا نحمل البعض اكثر من طاقاتهم و نطالبهم ان يكونوا ابطالا من أساطير كبرى ، فالكاتب عليه ان يضحي بنفسه و عائلته و عمله و ان تطحن عظامه السلطه بكل عنف ليكون رمزاً و بطلاً اسطوريا اعلق صورته على جدار غرفتي !! كما يحدث في هذا الشرق و كما حدث في اوربا وقت الحرب العالميه الثانيه فالشاعر الذي لم يقبل بمبدأ الهروب و عاش في بولندا تحت احتلال الجيش الألماني كان خائنا حتى و ان شارك في العمليات المسلحه للمقاومه و لم تنصفهم الاقلام الا بعد عقود طويله ، كما حصل في العراق و يحصل في الخليج و في دول المشرق الاخرى ، فالكاتب الذي خرج من العراق و تركه هو الذي يستحق لقب البطوله و القداسه و اما من بقي في العراق فهو خائن و عميل و يتحمل كل صفات القذف و الاهانه بل انه لا يستحق حتى ان يدفن في تراب هذا الوطن، هذا ما يحصل اليوم في اتحادات العرب الثقافيه ، بعض الكتاب لا تطبع اعمالهم العظيمه و لا تنشر قصائدهم و جريمتهم الوحيده انهم لم يهجروا اوطانهم ، وبالتالي تكون الجدليه بين الداخل و الخارج "انت ضدي فانت خائن" شعارا تتقاذفه الاركان بين هنا و هناك و اذا ظهر من يتعقل و يحاول ان يتفهم الموقف فتسحقه اقدام الجموع بلا رحمه لانه لم يختر الاصطفاف في أحد طرفي الخصام ، الا تعتبر هذه قمة في سخافة هذا الواقع المزري و واحده من اشكالاته المعقده؟!! و نطالب المثقف بالالتزام الاخلاقي، و انا هنا اتساءل متى كان المثقف دوما ملازما للقيم اخلاقيا و متى كان الابداع ملازما للشروط الاخلاقيه؟ و متى كانت الاخلاقيات من دواعي الابداع؟!! مع اختلاف المقاييس الاخلاقيه ذاتها من زاوية الى اخرى، فالحقيقة هنا باتت زائفة هناك و النور هنا بات ظلاما للناظرين من الضفة الاخرى.. لماذا ننتقد انحراف المثقف و الكاتب و الانسان العربي عن الاخلاقيات الانسانيه البسيطه ؟ و متى وجب ان يكون الابداع اخلاقيا؟ هاجمنا سعدي يوسف بكل عنف و لكن بعدما قلبت اوراق الزمن اكتشفت انها لعنة الابداع فماذا ابقى لنا عبد الوهاب البياتي و علاقته الطويله بنظام بغداد ثم انقلابه عليه متداركا ذاته ادبيا و اخلاقيا حتى اسقطت عنه الجنسيه العراقيه و حتى وفاته!! و يوسف الصائغ و علاقته بصدام حسين لفترات طويله حتى بعد سقوط نظام بغداد ٢٠٠٣ و انا اتذكر لوحة علقها الشاعر في بيته تحمل توقيع صدام و عندما سأله الصحفي أجاب الصائغ انه فخور بها ، و كان يعترف كما قال يوملا لحميد قاسم" انه يحب صدام لانه يحب ستالين و عليه ان يحب القوي مهما كان جلادا او طاغية " و هنا نقرأ كل التناقضات بين عدم هروبه من العراق و تضحيته و بقاءه راغبا بالقرب من النظام او عاشقا لحبيبته و وطنه و تناقضات تستمر بين ادبه و شعره الرائع و الذي يحمل القاريء الى ابعاد كونيه و بين انحيازه لصدام حبا فيه لا خوفا منه و يضع المتلقي في اهتزازات لا يمكننا الا ان نسميها لعنة الابداع و ربما لعنة المتلقي الذي يرفع الكاتب مع النص الى حد القداسه !! و نزار قباني الذي اخذ يحارب الحكومات في كل مكان و يهاجم الدكتاتوريات و لكن لا احد يذكر انه امتدح الخميني و ثورته الاسلاميه بكل قوة منتشيا و متناسيا كل اضاءات الواقع من حوله في ساعة جنون مفرطة تهز عرشه الادبي من حيث لا يدري .. بل ماذا فعل محمود درويش عندما ذبح النصوص عام ١٩٨٦ و ارسل برقيه لصدام يقول له : "يا سيدي انت تطلق الحق على الباطل فتزهقه" و شكوك بتلقيه كباقي الشعراء اموال من صدام حسين لسنوات طويله !!! كل هذه الاخطاء تنفي القدسيه التي يطلقها البعض على هذا او ذاك من الكتاب فنحن لا يجب ان نؤمن بالمقدس ، لاننا نرفعه لدرجة النبوة حتى بات كل فعل في نظرهو الاصح و كل ما سواه باطل حتى لو كان الباطل يسيل من بين ايدي عمدا.. و فعلها ادونيس و السياب وغيرهم الكثير على مدى سنوات تاريخ الادب الشرقي منذ بداياة نواة القبائل و حتى يومنا هذا و في المشرق حصراً اتحدث لأنني هنا لست بصدد انتقاد الادب العالمي .. و لكننا لن ننسى من ضحى بحياته و استقراره و لم يحاول استمالة السلطه و خسر الكثير في حياته كما فعل الابنودي و احمد مطر او مظفر النواب و غيرهم الكثيرين، فأين هي البطوله و كيف السبيل الى اكتشاف الرمز النقي و الذي لا تمس طهارته الشوائب؟ و الى متى يستمر المتلقي كعادة الشرقي في كل مجالات الحياة ، يعشق صناعة الرمز و القائد و البطل الذي لا يقهر و لا يخطيء و لا يأتي له مثيل؟ فبالتالي علينا احترام النص و لا شيء سوى النص و ان نسلخه عن قائله لان قائله ان تعلق بالنص عنوة و رغم انف القاريء البسيط فسياتي يوم و يرتكب جرماً بحق نفسه و ادبه و يقتل النصوص و يعلق المتلقي على مشانق الارباك المخيف الذي لا فعل له الا تمزيق المعتقد الانساني ، لانك ايها المسكين تعلقت بوهم البطوله و الانبياء الجدد الذين لا مكان لهم الا في خيالك وحدك فسقطت بالتالي وحيدا بسبب هذا النبوه الكاذبه و القدسيه المزيفه !!
مقالات اخرى للكاتب