كثيرا ما كنت اتساءل كلما ورد اسم البرازيل وتردد اسمهما هنا وهناك لماذا لم تقم البرازيل باستضافة كاس العالم لكرة القدم الا مرة واحدة عام 1950، في حين انها كانت وبسبب تفوقها الكروي الواضح وشهرتها في الاوساط الكرويه واعتبارها مثالا ونموذجا يحتذى به للتفوق الكروي ان يكون عدد مرات استضافتها لكاس العالم قريبا او اكثر من عدد المرات التي فازت فيها البرازيل بكاس العالم، ولقد كنت ولا ازال مع قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) باعطاء حق استضافة كاس العالم 2014 الى البرازيل ليس بسبب انجازاتها التاريخية وفوزها باللقب خمس مرات في اعوام 1958، 1962، 1970، 1994، 2002 ... واسلوبها الممتع والنجوم الكبار الذين وضعت اسماءهم مع كبار الاندية العالمية، ولكن بسبب تلك الشعبيه الغريبه التي تحظى بها كرة القدم في البرازيل وذلك الشغف الذي يكاد يرقى الى ان يكون هوسا وافتنانا لا مثيل له بكرة القدم والى الاعجاب العالمي الذي حظيت به البرازيل ومنتخبها الاعجوبه حتى كاد بعض مواطني الدول الاخرى يتخلون عن تشجيع منتخباتهم الوطنيه ويركنوا مطمئني الى اعطاء اعجابهم الكامل الى منتخب البرازيل.
ولكني عندما زرت البرازيل في سبتمبر/ايلول عام 2012 لغرض تقييم استعدادات البرازيل لاستضافة هذا الحدث العالمي وتقييم ملاعبها، تغير رايي بالكامل حول فكرة استضافة البرازيل لكاس العالم، ووصلت الى نتيجة بان استضافة كاس العالم في البرازيل ربما يكون خطا وخطا كبير جدا.
ففي اللحظة التي وطات فيها قدمي ارض البرازيل ادركت مدى انهيار وتردي الحالة الأمنية في البرازيل، حيث تتوالى النصائح من الاصدقاء هناك والتي تؤكد على ضرورة اخذ الحيطة والحذر. ففي البرازيل هناك فارق كبير بين طبقة الأغنياء التي بدات تتسع يوما بعد يوم وبين طبقة الفقراء التي هي كالعادة تتنامى وتتسع طرديا مع نمو طبقة الاغنياء، حيث الفارق الكبير والمؤلم بين احياء الاثرياء واحياء الفقراء العشوائيه ... وحيث الشرطة البرازيلية التي تسيطر بشكل كامل على الاحياء الفقيرة التي تتفشى فيها الجريمة بكل انواعها المنظمة او غير المنظمة وحيث العصابات التي تتحكم بكل صغيرة وكبيرة، وتؤكد الاحصائيات المرتبطة بجرائم القتل او الجرائم الخطرة بانها في تناقص مقارنة بالفترات الزمنية السابقة، لكن يبقى معدل جرائم السرقة عاليا مقارنة بالدول الامنة. فالاغنياء قادرون على حماية انفسهم وعوائلهم من خلال الحمايات الخاصة او حماية منازلهم بشكل واضح ... واتذكر انني عندما زرت المدرب "ايفرستو دي ماسيدا" الذي سبق له وان اشرف على تدريب منتخب قطر والعراق في منزله كان علي ان اجتاز ثلاث نقاط امنية للوصول اليه.
اما عن التنقل في البرازيل فان الطرق العامة عموما غير مهيئة لاستقبال او استيعاب مئات الالاف من المتفرجين الذي سيحضرون مباريات كاس العالم حيث لا تخلو هذه الطرق من ازمات مرورية خانقة وعدم انضباط في قيادة السيارة، وقد تضطر في الكثير من الاحيان اضاعة الكثير من الوقت في التوقف او الانتظار خلال الانتقال من محل الى اخر ... في حين ان وسائل النقل الاخرى مثل المترو والقطارات فانها الى حد ما تعتبر جيدة وتوازي مثيلاتها في بعض الدول الاوروبية، لكن المسافر القادم بواسطة الطائرة سيعاني من الانتظار الطويل سواء عند القدوم او المغادره وقد يطول انتظاره لختم جواز سفره اكثر من ساعتين.
الاجواء العامة في البرازيل رائعة وسيستمتع كل من يزور البرازيل بالاجواء الجميلة وقضاء اوقات ممتعة وسط سحر الطبيعة الخلابة والبرازيليين شعب طيب من السهل جدا التعامل والاندماج معهم، ويقدمون النصائح المهمه لاتخاذ التدابير اللازمة، ولكن من الصعب جدا ان تجد من تثق فيه، ومن الصفات السلبية انهم لا يحترمون الوقت والمواعيد. ومن أبرز الصعوبات والتحديات التي سيواجهها الزوار هي التفاهم مع البرازيليين بسبب عدم إجادة نسبة عالية منهم اللغة الانجليزية.
اما الملاعب التي ستقام فيها مباريات كاس العالم 2014، فقد قمت بزيارة ملعب الماراكانا الشهير في ريو دي جانيرو، الذي يعتبر ايقونة الملاعب الرياضيه في البرازيل وربما في العالم حيث يمكن القول ان من النقاط المضيئة والايجابية التي تحسب وتسجل للبرازيل هي الجودة العاليه والمواصفات الممتازه التي تتميز بها ملاعب الكره في البرازيل والتي تعتبر ملائمه جدا لكرة القدم ... حيث ان هذه الملاعب مخصصة فقط لكرة القدم، وتم النظر الى الجمهور بشكل كبير من ناحية توفير مقاعد مريحة واجواء مساندة تساعده على الاستمتاع بالمباراة وتوفرالخدمات والمطاعم والمقاهي والمرافق الاخرى وعلى اعلى المستويات بالاضافة الى وقوع معظم الملاعب في مراكز المدينة ... بلاشك ان الاجواء ستكون ممتعة للغاية وستكون البطولة ناجحة من الناحيه الفنيه ولكن ستغيب عن الاعلام الكثير من السلبيات التي من المتوقع حدوثها خارج الملاعب وذلك لعدم اعطاء احصائيات بما يجري او عدم وجود هيئة محايدة لتقييم ما يجري.
ولا تختلف فنادق الدرجة الاولى (خمس نجوم) في البرازيل عن نظيرتها في اوروبا والعالم، من حيث المواصفات والحماية والوسائل الترفيهية، لكن على النقيض من ذلك هنالك خلل في الفنادق التي يقل تصنيفها عن هذه الدرجة حيث تختلف نوعيتها بين واحد واخر ولا تقارن ابدا بمثيلاتها الاوروبية.
سوف ينمو الاقتصاد البرازيلي بمعدل جيد ويتحسن تدريجياً قبل وخلال فترة اقامة البطولة في البرازيل، لكن الاستفادة الكبيرة ستنحصر بالحكومة واتحاد الكرة والاثرياء في الطبقة المالكة للمصانع والعقارات والملكيات التي ستعطيهم الفرصة بالتوسع الاقتصادي الإيجابي، ومن المخاطر الأساسية التي قد تواجه البرازيل هو ارتفاع ألاسعار الذي قد يستمر بالارتفاع حتى بعد نهاية البطولة مما سيشكل عبئا ثقيل على كاهل المواطن البرازيلي.
قرار اتحاد كرة القدم الدولي (الفيفا) في المحاصصة وتوزيع اقامة بطولة كاس العالم على القارات مبدء فيه خطا كبير، لان هذا القرار ربما فيه تخفيف لبعض الشروط الصارمة التي كان يضعها الفيفا قبل قراره، وشاهدنا بطولتين الاولى في كوريا الجنوبية واليابان 2002 كانت روعة في التنظيم والانضباط، ثم بطولة كاس العالم 2010 في جنوب افريقيا حيث تسبب ضعف الامن من اضعاف البطولة وحصول حوادث سلبية اثرت على الحضور، وهو ما نخشى حدوثه في كاس العالم 2014 في البرازيل وكاس العالم 2018 في روسيا ... ولان بطولة كاس العالم تقام مرة واحدة كل اربعة اعوام ولانها تمثل قمة كرة القدم على صعيد المنتخبات لذلك فانها عندما تقام يجب ان تقام في دولة تمتلك مقومات التقدم العلمي والحضاري وقادرة على اظهارها بافضل صورة ... كان على البرازيل اولا وقبل ان تفكر باستضافة كاس العالم ان تجد حلولا لبعض مشاكلها شبه المستعصيه في مجالات الصحة والرعايا الاجتماعية والجرائم وألتعليم والفقر.
وعلى المنتخب الجزائري الشقيق الممثل العربي الوحيد في البطولة ان يتخذ جميع التدابير الممكنة من اجل حماية الفريق وعدم الاعتماد على اللجنة المنظمة، والاستعانة بالجالية العربية المقيمة في البرازيل التي تمتلك الكثير من الخبرة والتجربه بما يساهم في عدم تورط فريقنا العربي في الوقوع في مطبات ومازق هو في غنى عنها.
مقالات اخرى للكاتب