في الولايات المتحدة اليوم مئة مليون شخص على الاقل ناقمون على حكم الرئيس باراك اوباما اي اكثر من ثلاثة اضعاف الشعب العراقي نفوسا . و في واشنطن يستنكر اكثر من نصف الكونغرس بشقيه ، الشيوخ والنواب ، غالبيتهم العظمى من البيض ، سياسات الرئيس الملون وطريقة ادارته لبيتهم الابيض سواء لدوافع حزبية او موضوعية . وفي اميركا اكثر من اربعين مليون انسان يعيشون تحت خط الفقر ، اي اكثر من نفوس العراق المتخمين والجائعين معا بعشرة ملايين انسان . وفي الولايات المتحدة تكاد لا تمر عطلة نهاية اسبوع "ويكند" الا وترى تكتلات بشرية تحتج امام البيت الابيض لاسباب بعضها ما انزل الله بها من سلطان وتردد شعارات يهون عندها "عزّوز اسمك هز بوركينا" ، وفي الولايات المتحدة - وهذا مربط الفرس - توجد قطعة سلاح واحدة على الاقل تحت الوسادة او في خزانة كل بيت كمعدل عام ، بعض العائلات مزود بمشاجب اسلحة وكانها مركز شرطة سبع البور . وفي الولايات المتحدة ازمة اقتصادية تراوح في مكانها منذ سبع سنوات اقتربت احيانا من ان تلصق طابعا بريديا على ظهر وول ستريت وترسله الى هوة الكساد العظيم الذي ساوى بين الولايات المتحدة والعراق في حقبة التسعينيات عندما باعت "الوادم" شبابيك بيوتها وربما فلذات اكبادها . وتزور الولايات المتحدة سنويا خمسة اعاصير عنيفة على الاقل زيارات تفقدية ودية تقتلع البشر و الشجر والمدر كما يقتلع طفل بغدادي ورقة زهرة في منتزه الزوراء . وفي الولايات المتحدة توجد طبقة من الفاسدين الكبار "خاصة في قطاعي العقارات والمخدرات " تتبادل ارقاما نجومية من الدولارات ، كل صفقة فيها تعادل سيولة وزارة المالية العراقية مضافا اليها المخزون الاحتياطي للحاج بهاء الاعرجي دام عزه . و في ذمة الولايات المتحدة اكثر من خمسة عشر تريليون دولار من الديون المتراكمة ، تعادل فوائدها فقط ثروة العراق النفطية الموجودة فوق الارض وتحتها " التريليون الف مليار دولار " وهذه الديون في تصاعد بالثواني وليس الدقائق او الساعات . و الولايات المتحدة ترتعد فرائصها يوميا وخاصة ظهر كل جمعة تحت وطأة دعوات مؤمنين ذائبين في الذات الالهية بان يخسف الله الارض فيها فتصبح هشيما تذروه الرياح فترتاح البلاد و العباد من عجرها وبجرها ،لكن رغم كل هذه المعطيات المرعبة و الارقام الجنونية واضعافها مضاعفة مما لا علم لي به ، الله يعلمه ، فان الحياة وكرامة الانسان وسطوة القانون وسيادة النظام وابداع الجامعيين ومدارس الاطفال ونشاط السياح وتوسع الشوارع وبناء الجسور وتشييد المولات الجميلة وتبرعات الاثرياء والتكافل الاجتماعي تسير على مايرام وكان شيئا لم يكن . تزور واشنطن في يوم السبت فترى الشرطة تتفنن وتتفانى من اجل توفير حماية ارواح متظاهرين خرجوا ضدها شرط ان يراعوا حرمة القانون وحرية الآخر غير المتظاهر . وتزور منهاتن "تايم سكوير " على وجه التحديد ، فتجد فيها جنة الله على الارض جمالا وفتنة وابداعا وخلقا ونظاما واعلانات ضوئية وسائحات يخطفن البصر والبصيرة معا، و اذ تقفز من الساحل الشرقي الى نظيره الغربي حيث الفاتنة الاعجوبة كاليفورنيا تتوسد المحيط هناك ، ستكفر بكل بلداننا وليس بالعراق فقط . وليس بعيدا عنها ولاية نيفادا وجوهرتها البراقة لاس فيغاس التي لم ولن تسمع بـ "وجعلنا الليل سبتا" لان كل وقتها "نهارا معاشا" . لماذا هم هكذا ونحن هكذا ... احقا لان جيرانهم ليسوا اردنيين او سوريين او ايرانيين او اتراكا او سعوديين او كويتيين ؟ ( اقسم ان المكسيك وهي الجارة الجنوبية ، اسوأ من هذه البلدان مجتمعة ) ... ام ان الكارثة هي داخلية تختبىء في ذواتنا التي اخشى القول بانها مريضة حد تخوم الموت السريري . لعلك تجد الجواب كله او بعضا منه على الاقل في مؤلفات الكبير علي الوردي التكساسي الذي عاش في البلدين فخرج بحصيلة نفسية واجتماعية لا غنى عنها لاي محب موضوعي لوطنه حتى وان كان مثلي عاشقا مجنونا لا يملك من جسد حبيبته حتى حُبيبات غبار عالق في اخمص قدميها ... ورغم كل ذلك فما زالت ، الريح تصرخ بي : عراق و الموج يعول بي : عراق ، عراق ، ليس سوى عراق . البحر أوسع ما يكون و أنت أبعد ما يكون . و البحر دونك يا عراق.
مقالات اخرى للكاتب