ثمة فرقٌ كبيرٌ بين الترويجِ لعهد سياسي يعقب ولاية المالكي الثانية، يقوده خصوم له، وبين عهد آخر يأتي لإنهاء سياق سياسي شاذ مثله المالكي، ومعه نخبة سياسية تصدرت مشهد ما بعد 2003.
منذ تحولات اللعبة السياسية، مع نتائج الانتخابات المحلية، تكبر كرة ثلج عن حياة سياسية جديدة، بضمانات معقولة عن الاستقرار، مع بدلاء المالكي الجدد.
ملامح البديل الجديد، ملامح مفترضة، يدبجها إعلان يتقنه معلقون وصناع رأي، أكثر مما يقوم به المُعلَنُ عنهم.
حتى أن البديل لا يعرف كيف رُوِجَ له بهذه الطريقة، بل أحياناً يسأل: هل امتلك بالفعل هذه الملامح السياسية؟ هل أتوافر على خيارات مرنة على أنني البديل الناجح؟.
تخيل أن سياسياً يصدق كذبةً إعلان عنه.
أصحاب هذه الفكرة يستندون إلى ثلاثة أفكار رئيسة لتقوية "إعلانهم" عن البديل:
• بديل المالكي انتقده على التفرد، وعلى قتل الشراكة، ووضع اليد والأنف في كل زمان ومكان في المؤسسات العراقية، التي صهرت، فاستحالت، حبات قمح في يد أبي إسراء. بديل المالكي لن يفعل شيئاً انتقده في خصمه.
• بديل المالكي يفكر في "تمدين الإسلام السياسي"، كما الإشارة المبالغ فيها، دوماً، عن تيار مقتدى الصدر. وهو ينتقد المالكي لأنه يفكر كداعية من الحزب يتحين فرصة الحكومة لأسلمة الشارع.
هذا البديل مدني؟! بشهادة من؟
في وقت يتحول المالكي إلى نجم، ورجل مرحلة، وايقونة تحاكي صدام حسين، ازداد الرجل غروراً، بينما يزداد خصومه غيظا وغضباً، من أنهم يستحقون ما هو عليه الآن، نفوذاً وسلطة. طبعا هذه رواية المعارضة، التي لن تكون متفردة بأي حال من الاحوال!
هذه الافكار اقتبسها، مع التلخيص وبعض المشاكسة المقصودة بخبث، للأدب السياسي الجديد الذي ازدهر منذ حراك 2010.
أدب سياسي روج للمالكي، على أنه مختار العصر، وقائد العراق الذي لا غنى عنه، يماثل في السوء أدبا جعل من خصومه، منقذين، مخلصين، بمشروع مدني، ينقذنا من "الجهلة".
أكثر ما يحول دون الخوض في هذه المعادلة، الخوف من فخ الولاء، سوى أنني أملك، إلى حد ما، رهاناً شخصياً في معارضة الدعوة، وللبديل الجديد.
هذه مناسبة جيدة للحديث عن معارضة كليهما، فهما أبناء مشروع لا يعترف بالديمقراطية، ولا بالحوار، ولا يحترم الاختلاف. كلاهما يمقتان المدنية، زعيم الدعوة يستعملها ورقة لتفريغ غضب الوسط العلماني، وكسب مناورات مع الخصوم الشيعة والسنة، واليوم، كما هو حال تيار مقتدى الصدر، يستعمل مدنيين، لصناعة الطريق إلى "الولاية الأولى".
الحياة المدنية التي عاش على حلم كبير بها، ومات على طريقها كثيرون، ونفي على ولائها أفذاذ هذا البلد ومثقفوه، لن تكون على "مشروع سياسي" مكشوفة أكبر أكاذيبه. وها هو المشهد يكرر نفسه، حين دافع عن المالكي علمانيون، جلبوا العار لأنفسهم وضياع الأفق بشراكة مع حزب الدعوة.
الكلمة المضيئة المحاصرة بفوضى المصالح، والإعلانات المزيفة، تبحث عن مرحلة ما بعد الجميع، وليس ما بعد المالكي، في حال أردنا لتجربة سيئة أن تنتهي.
مقالات اخرى للكاتب