أوضح الأديب محمد حسنين هيكل في مقدمة كتابه “خريف الغضب” بأن فكرة هذا الكتاب بناها منذ اللحظة الأولى لأعتقاله في سبتمبر 1981، حين التفت وراءه ورأى حوله في السجن كل هؤلاء الذين يمثلون الرموز الحية لأهم التيارات السياسية والفكرية المؤثرة في مصر، لقد تحقق ساعتها أن المقامر الكبير قد قام بآخر لعبة كبرى، وجازف بأوراقه كلها مرة واحدة. ولقد كان مقتنعاً بشكل شبه وجداني، أنه يعيش في دراما سوف تصل إلى نهايتها في يوم من الأيام وبشكل من الأشكال، وأنه كصحفي قد يكون مطالباً برواية قصتها قبل غيره.
عندما تأملت سطور هذا الكتاب اندهشت من هذا التصوير الحي للواقع الذي عاشه هيكل في بداية الثمانينيات .. وكأني أرى اليوم ذلك الواقع يتجسد بكامل صورة ذلك المقامر الكبير عاود الكره مرة أخرى في مصر الأن هو أحزابنا الكرتونية وهي تقوم بآخر لعبة لها على مشهد التحالفات والأستعداد للأنتخابات البرلمانية والتي أمتد لأكثر من أربعة أشهر عجاف .. وجازفت بأوراقها كلها مرة واحدة خلال هذه الشهور الماضية .. لم يكن أمامها طريق آخر غير تلك المقامرة اللعينة بمصير هذا الوطن الذي خلق لها الأمن والأمان لكل تياراتها السياسية والفكرية بأن تعمل بكل حرية وعلى أرضية ديمقراطية حرمت منها غالبية الدول العربية .. وتغنت بكل الالحان والاناشيد والموشحات الاندلسية لتهييج شباب طاهر لا يفهم اللئمة السياسية الحزبية والمطامع السلطويـة لتلك الأفاعي الحزبية وقادتها ..
البعض من تلك الأحزاب استغلوا حاجة الناس للتعبير عن مكافحة الفساد وإصلاح المؤسسات وتحسين مستوى المعيشة .. استغلوا تلك البراءة والطاقات الشبابية التي خرجت بكل عفوية وحباً للوطن .. وجعلوا منها طاقات وادوات تدميرية تعيث خراباً بكل جميل تحقق في سنوات وسنوات .. واستخدمت هذه الاحزاب كل امكاناتها المالية والبشرية والاعلامية في بث روح الكراهية والعداء بين حنايا ابناء الوطن الواحد .. ولم تدع أي مقامرة صغيرة أو كبيرة إلا واستخدمتها .. وجماجم جعلت منها سديهات انهكتها التعبئة الخبيثة لتصبح دماً يروي مقامرتها وثورتها .. في لعبة كبرى أكبر من أي نكبة شهدها تاريخ مصر فى الماضي والمعاصر والمستقبل ..
فعلاً كانت لعبة كبرى ونكبة من قبل هذه الاحزاب قامت بها بكل وعي وادراك .. وبكل تخطيط ومثابرة على التحقيق والوصول الى هدفها وهو السطو على حريتنا وديمقراطيتنا التي تجسدت وقامت على أرواح شهداء ثورتي يناير ويونيه العظيمتين .. ارتوت بدمائهم الزكية والطاهرة لتكون شعاع الأمل لأجيال ومستقبل مصر ..
والكتاب أيضاً ليس دراسة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لمصر اليوم، ولا عن الخصائص التاريخية لمصر، ولو أن هيكل أيضاً لمس، بالضرورة بعض جوانب هذه الموضوعات، وأيضاً الكتاب ليس كتاباً عن الأصولية الإسلامية، ولا عن الكنيسة القبطية، ولا عن الإرهاب كسلاح سياسي، رغم أن عدداً من هذه القضايا كان ضرورياً تناوله في صفحاته، والحقيقة أن هيكل تناول من هذا كله ما كان لازماً لكي يقود الحديث إلى نقطة معينة من الزمان والمكان... نقطة معينة من الزمان: الساعة الثانية عشرة وعشر دقائق بعد ظهر اليوم الثلاثاء 6 أكتوبر 1981، ونقطة معينة في المكان: المنصة الرئيسية في ساحة الاستعراضات العسكرية بمدينة نصر حيث دوّت الطلقات التي أنهت حياة الرئيس محمد أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية..
حاولت تلك الاحزاب أن تضع أقدامها على عرش السلطة في مصر بأي ثمن وبأي سلاح ممكن وأي مكان كان حتى ولو كان الأعتصام فى بيت الله الذي هو أأمن مكان في الارض يعتصم فيه الانسان .. ورغم ما قد توفرت لتلك الأصوليين الوصوليين من كافة الحريات الحزبية وتشكيل الاطر والقواعد لأعضائها .. وامتلاك أغلب المنظمات والجمعيات والنقابات تحت سمع وبصر وضمان الشرعية الدستورية التي كفلت للجميع أصوليين وماركسيين وووو كافة سبل العمل الحزبي .. ولكن يبدو أنها أحزاب كرتونية لاتفهم معنى ولا أبجديات السياسة ..
وكأنما خلقت فقط للسطو والعبث والتخريب والقتل .. واستخدمت ثورة مليئة بجماجم من السيديهات في فصل الربيع .. ولكنها نسيت أن بعد فصل الربيع وانتهاء الصيف يأتي فصل الخريف بكل عنفوان .. أمطار ورياح تجرف أمامها كل كرتون وقرطاس .. لأن الله سبحانه وتعالى خلق فصولاً أربعة .. لله في خلقه شئون .. فقد استطاع المصريون نقل أزمتهم السياسية من فصل ربيع الازمات .. وأدخلوها فصل خريف تساقط الاستبداد المتسلط على رقابهم من الاحزاب الكرتونية وثورتهم .. لتحملها رياح الخريف الى مزبلة النكبات ..فلتتساقط كل الكراتين فلا بكاء بعد اليوم على أي قرطاس ..
مقالات اخرى للكاتب