من النادر وانت تسير في شوارع العراق أن لا ترى شجار أومشكلة وصراع هناك ,وتبادل الإتهامات غير اللائقة بين سائقي السيارات مثلاً وخاصة الشباب , في منتصف الشارع وقطع الطريق , والكارثة كبيرة حين التصادم بقصد او غيره , لا تعرف من أين تأتي الأسلحة البيضاء والسوداء وأدوات التصليح المحورة للقتال , الكل يتفرج في الشارع , وتتدخل العشائر والثارات , ولا ينتهي النزاع الاّ بخسارة أحد الطرفين خسارة بشعة ظالمة , لا تساوى ربما 1% من الحقيقية . في العام الماضي وفي أحد الدول المجاورة مع عائلتي وأقاربي في انتظاري في العاصمة , لم نستدل على العنوان بالضبط , , وقد إستقلنا التكسي للعنوان لم يصل بنا الى العلامة الدالة لكوننا في وقت متأخر و لا نعرف التكلم معه الاّ بالإشارة , استوقف سائق تكسي أخر بإشارة ونحن نسير توقف بسرعة ولسرعة السيارة التي نسير بها صدمنا السيارة الأخرى , بصورة عنيفة استشاط عقل اطفالي ذعراً , والقلقل إنتاب الجميع , بعد يوم كامل من السفر التكسي , سائقنا لم يتحرك من سيارته ونزل السائق الأخر وتوقعنا سيضربه ولا نعرف تقاليدهم , ولكن حسب ما فمهنا سلم عليه وهنئه بالسلامة وحمد الاثنان الباري عز وجل , لم نرى انه يملك اًلة جارحة او حتى لم يغضب , ولم يتصل بالعشيرة وأبناء العم البواسل , أخذ العنوان وترك عمله في التكسي سائراً أمامنا الى أن أوصلنا الى المكان المطلوب , وعرفنا رغم اننا لا نفهم ما دار بينهم من حديث ان الحوار افضل طريق للحلول , وان سائقنا لم يكن يقصد ايذائه , ولغة العنف والتصعيد لا تفضي الى نتائج , والمواقف يوم لك ويوم عليك , قارنت ذلك مع مجتمعنا الذي اتبع خطوات السياسين وقلدهم في كثير من المواقف السلبية , والعنف والعصبية صارت مبدأ اجتماعي ,وتطبيع من الفعل السياسي وضوضاء الأعلام المتشنج , وإتباع سياسة الدخول بالأزمة وحلها بأزمات اكبر وحلول جزئية , والتوجه نحو التصعيد والعنف الذي يسمح للتدخلات الخارجية , و معظمها سلبي لم يستثمر ساسة العراق التجربة في عشرة سنوات , وأيقن المواطن ان لدول الجوار بل كل دول العام تدخل سلبي في شؤونه , وهذا ما جعلهم بموضع القوة ونحن بالضعف , ولا يمكن تجاوزه الاّ بتقوية الجبهة الداخلية وتشخيص المشكلات مشتركين للبحث عن حلولها, وترك التأزيم والأتجاه للحوار الداخلي بالاتجاه الخارجي وموقف موحد , اعاد ذلك ذاكرتي الى بداية دخولنا من الحدود وحاول إبني رمي قنينة ماء فارغة من شباك السيارة , منعه السائق وقال (جريمة ) اي ممنوع او يحاسب عليه القانون , وأخذها بجانبه الى ان وجد حاوية نفايات وضعها فيها , تكلمنا مع انفسنا وقنلنا ،ومن يراك وانت في هذه المنطقة التي تخلو من السكان والمارة !
وبعد وجودنا اكثر من عشرة أيام عرفنا لماذا كل من صادفنا حريص على بلده , فهم يجدون وسائل الراحة والرفاهية والخدمات , والمناظر الخلابة والنشرات الضوئية ووسائل النقل المتنوعة , سواء كان في منطقة فيها سكان او خالية حتى من الحيوان , لم نطفيء أجهزة التبريد ولا نزال نعتقد ان كابوس القطع الوطني يطادرنا,قلت لا يهم قطع الكهرباء هنا والحياة مستمرة على مدار الساعة والناس يتبضعون للصباح , يجلسون بشكل عوائل وإنفرادي ومزدوج , لم نسمع صوت يعلو من احدهم فوق الاخر , ولغة الحوار والتفاهم هي السائدة , بل لم نسمع ايّ جدال , ترسخت تلك القيم فينا لفترة من الزمن , ولكنها عادت تتلاشى كلما أبتعدنا عنها زمنياً , فهل نحتاج للإيفاد كي نتعلم طباع الشعوب ؟ .
مقالات اخرى للكاتب