كنا في السليمانية سبعة ايام في ورشة عن الافلام الوثائقية، نظمتها مؤسسة دعم الاعلام الدولي (ims) لصحفيين محترفين ومخرجين من اقليم كردستان ومن بغداد.
الورشة، التي حاضرت فيها مدربة دنماركية، استهدفت وضع الصحفيين والمخرجين على خط التعاون لانجاز افلام وثائقية تسجل للتحولات الاجتماعية والديموغرافية والسياسية والاقتصادية الكبرى والخطيرة التي يشهدها العراق.
لكن أزمة اقليم كردستان السياسية المتعلقة بقانون رئاسة الاقليم، وانتهاء ولاية الرئيس الحالي، والتي تكاد تحول الاقليم فعليا الى ادارتين، كانت حاضرة بقوة في كل الجلسات والنقاشات التي جمعتنا مع العديد من كبار الاعلاميين في كردستان، كما مع ساسة كبار مثل نائب الأمين العام للاتحاد الوطني برهم صالح ورئيس البرلمان والقيادي في حركة التغيير يوسف محمد.
لم يتردد برهم صالح ولا يوسف محمد، بالتصريح بأن الأقليم يواجه سلسلة ازمات، ليس بسبب الخلافات السياسية المحتدمة حول منصب رئيس الاقليم وصلاحيات الرئيس وطبيعة النظام السياسي في كردستان، بل ايضا بسبب ضعف المؤسسات وتدهور الاقتصاد الذي يترنح تحت انهيارات اسواق النفط.
الناس منقسمة بشدة بين فريقين، الأول يؤيد استمرار مسعود بارزاني بصلاحيات واسعة "كضرورة تاريخية ولاعتبارات سياسية وأمنية" تفرضها ظروف الحرب مع داعش وهؤلاء يرفعون شعار "لا بديل عن بارزاني". وفريق ثاني يعتبر ان التمديد "امر كارثي يحول الاقليم الى نظام شبيه بانظمة المنطقة" التي ينخرها التفرد والفساد والتي تتحجج منذ خمسين عاما بالاوضاع الاستثنائية للتمديد لرؤسائها وهؤلاء يرفعون شعار "غياب الديمقراطية وسياسة التمديدات هي من تخلق الأزمات".
ازمة السياسة تتزامن مع ازمة الاقتصاد، وهي اشد وطأة على الناس الذين يعيشون في عوز حقيقي، فالموظفون لم يتلقوا الى الآن راتب شهر حزيران، الأسواق التي كانت تعج بالحياة تراجعت الحركة فيها بمعدلات تزيد عن النصف، والمولات الكبيرة تعيش ازمة حقيقية، اصحاب المحال فيها يغلقون ابوابها، ولا يكاد يخلو شارع من يافطات تشير الى مطاعم وكافتريات مغلقة معروضة للبيع.
صور تراجع الاقتصاد بادية في كل مكان، العمارات والمباني التجارية العالية غير مكتملة البناء تطل برأسها في كل شارع. الفندق الكبير ذو الطوابق الخمسة الذي اقمنا فيه بدا فارغا تماما الا من بضعة نزلاء، وهو الذي كان من اكثر فنادق المدينة ازدحاما بالنزلاء قبل عامين.. قال موظف كبير فيه "كان لدينا نحو 50 عاملا، اليوم لدينا 14 فقط، تم تسريح الجميع.. حتى هؤلاء بلا عمل حقيقي".
حديث الهجرة الى اوربا، عاد ليشغل الشباب.. قال اعلامي كبير "الشعور بضبابية المستقبل القى بظلاله على رؤى معظم الشباب هنا، انهم يفكرون ويخططون للهجرة... نعم يستبعد الجميع عودة سنوات الجوع والحرب التي شهدتها كردستان في منتصف التسعينات، لكن الاحباط وغياب فرص العمل كافي لدفع عشرات آلاف للهجرة.. في آخر انتخابات قبل عامين وعدوا المواطنين بالرخاء وبتسليمهم حصص معينة من أموال عائدات النفط، واليوم لا يستطيعون دفع الرواتب".
قال رجل ستيني، كان يتابع من محله الصغير، باهتمام قناتي روداو وNRT (اهم محطتين اخبارتين في الاقليم) وينتقل من محطة الى أخرى "لقد ابتلينا بقادة مصالحهم فوق مصالح امتهم وارضهم، يعملون في السياسة منذ 50 عاما لكن كأنهم لم يتعلموا شيئا من تجارب ودروس الماضي ولم يقرأوا يوما التاريخ".
مقالات اخرى للكاتب