لم يكن الواعون من بنات وأبناء الشعب العراقي بانتظار دليل جديد على الفساد المتنوع الأوجه الذي يشمل مجلس النواب كمؤسسة وبغالبية أعضاءه، وبقية سلطات الدولة العراقية، ومنها السلطة القضائية، التي أفرجت على عجل عن رئيس مجلس النواب والمتهم بالفساد، حتى أن رئيس السلطة التنفيذية الفاسدة استغرب من هذه السرعة في إصدار قرار عن القضاء العراقي، والذي لم يسبق له مثيل في سرعته.
ولكن الجديد في ما قدمه مجلس النواب للشعب العراقي هو أن العراق أصبح، ومنذ بدء سنوات حكم الجعفري ونوري المالكي حتى الآن، مستعمرة إيرانية فعلية. فما أن زار رئيس مجلس النواب العراقي، سليم الجبوري، إيران والتقى بالقادة الإيرانيين المسؤولين عن السياسة الإيرانية بالعراق وقدم لهم الولاء التام والتعاون الكامل مع نوري المالكي ورهطه، حتى صدر عن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية وبقية القادة الإيرانيين القرار بدعم رئيس مجلس النواب العراقي ومعاقبة وزير الدفاع العراقي الذي تجرأ، ولأي سبب كان، على اتهام رئيس مجلس النواب وبعض الفاسدين فيه، رغم كثرتهم الكاثرة، بالفساد المالي والوظيفي! وما أن عاد التابع الجديد إلى العراق حتى بُلَّغت جميع الأحزاب الإسلامية السياسية العراقية بقرار القيادة الإيرانية، ومن خلالهم بُلّغ جميع أعضاء مجلس النواب من أتباع هذه الأحزاب وإيران بقرار إيران. وما كان من أغلبهم إلا التصويت في صالح سحب الثقة عن وزير الدفاع العراقي. وهكذا انتهى مجلس النواب إلى تأكيد حقيقة أساسية واحدة هي إن القيادة الإيرانية تعتبر اللاعب الأول والرئيسي في السياسة العراقية وفي الاقتصاد العراقي وفي المجتمع، إضافة إلى دور إيران العسكري المباشر وغير المباشر، من خلال المليشيات الطائفية المسلحة التي تشكل الهيكل الفعلي للحشد الشعبي بالعراق. لم يأخذ جميع الأحزاب الإسلامية السياسية بقرار إيران، بل بعضهم رفضه، بغض النظر عن موقفه العام من إيران وقادتها.
وكم ينطبق قول الشاعر الرصافي الخالد الذي قاله قبل ثمانين عاماً ينطبق تماماً على مجلس النواب العراقي الخائب والعلم والدستور:
علم ودستور ومجلـس أمـة كل عن المعنى الصحيح محرف
من يأتِ مجلسنـا يصدّق أنه لـمُـرادِ غيـر الناخبيـن مؤلّــفُ
أفهكذا تبقى الحكومة عندنا كلَماً تمـوَّهُ للورى وتُزخرَفُ
لقد رفضت كتلة الأحرار والتحالف الكردستاني وكتلة المجلس الأعلى التصويت إلى جانب سحب الثقة، واتهم السيد مقتدى الصدر المجلس النيابي بالفساد وأولئك الذين صوتوا إلى جانب سحب الثقة من العبيدي. وهو على حق في هذا الأمر. وفشل طلب أولئك الذين أرادوا سحب الثقة عن رئيس مجلس النواب باعتباره فاسداً، لأن الأكثرية التابعة لإيران ليست إلى جانب هذا القرار. إنها المصيبة بعينها أن يعود العراق تحت سطوة إيران مرة أخرى، إذ تذكرنا بالعهد الصفوي بالعراق وما عاناه تحت وطأتها، ومن ثم سقوطه تحت الهيمنة العثمانية والتي كانت معاناته أقسى وأطول.
وبوعي عميق وسليم ومؤثر خرجت مظاهرات يوم الجمعة المصادف 26/8/2016 ببغداد ومحافظات الوسط والجنوب وهي تندد بقوة وحزم بقرار سحب الثقة لا دفاعاً عن وزير الدفاع العراقي، بل لتؤكد فساد مجلس النواب المحمي من الفاسدين وإيران، ومن بقية السلطات الفاسدة بالدولة العراقية الهشة والمستعمرة. وسيتسع هذا الوعي تدريجاً ليشمل المزيد من أبناء الشعب العراقي ولينكشف زيف الذئاب التي فتكت بالناس آلاف القرون ولم تترك البشر مع دينهم والرب الذي يعبدون. لنتذكر هذا المقطع من قصيدة شاعر الشعب الراحل محمد صالح بحر العلوم حين كتب بصواب:
ليتني أستطيع بعث الوعي في بعض الجماجم
لأريح البشر المخدوع من شر البهائم
وأصون الدين عما ينطوي تحت العمائم
ومن أنآس (أو مآسٍ) تقتل الحق وتبكي:
أين حقي
مقالات اخرى للكاتب