الحديث عن المقدمات والمؤخرات قد يأخذ ابعاداً كثيرة ومسافات واسعة لتأكيد المعنى المراد من هذين المفردتين . وفي هذا الموضوع الذي نتناوله اليوم لا ننطلق من المقدمة باعتبارها مفهوماً أدبياً كمقدمة ابن خلدون مثلاً ولا بالمفهوم العسكري المتعلق بمقدمة الجيش او مؤخرته وما شابه ذلك من المجالات الكثيرة التي تدخل فيهما هاتان المفردتان.
إن المقدمة والمؤخرة اللتان نتطرق إليهما اليوم ينطلقان من مفهومهما الفسلجي التشريحي البشري . وإن قلنا بشري فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال تعميم هذا المفهوم على كل البشر بحيث ينتفي الإختلاف والتمييز بين مقدمة هذا الإنسان او ذاك أو مؤخرة هذا الشخص او ذاك . وإن صح إستخدام هذه المعادلة والتفتيش عن الفروقات بين مؤخرة ومؤخرة ومقدمة ومقدمة فلا يسعنا في هذا المجال إلا اللجوء إلى مجلس النواب العراقي الذي إكتشف لنا مشكوراً أهمية هذا التمييز في مجتمع يرفض دينه التمييز بين البشر ككل ، فما بالك بالتمييز بين مؤخرة نائب تعاني من زوائد لحمية تعني بالعراقي الفصيح " بواسير" ومؤخرة الشعب بكامله الذي لو إجتمعت كل بواسيره لما كان لها قيمة ليلة واحدة من ليالي المستشفى الذي اجرى فيه النائب المحترم خالد العطية عملية إستئصال هذه الزوائد من مؤخرته المحروسة . أو بين اسنان معوجة مشوهة عاش بها ومعها طيلة العمر الخائب قبل االنيابة النائب احمد العلواني حتى قيض له الله اموال هذا الشعب الجائع ليقدمها له ليلتذ اكثر بما تلتهمه مقدمته وليسير بكل هدوء وأمان نحو مؤخرته التي لم تزل سليمة والحمد لله تتعمل بانتظام على ما يسمى بمنصة الإعتصام ، إلا انها ربما تنتظر مال الفقراء الذي سيخصص لها قبل ان يخصص لإنقاذ جائع عراقي ، وما اكثرهم ، أو لتغيير بعض بيوت التنك لأيتام إنتفاضة آذار عام 1991. ومن افضال النائب العلواني على الشعب العراقي انه لم يكلف خزينة الدولة العراقية البائسة بأهلها والغنية بفقراءها ذلك المبلغ الكبير لإصلاح ما خربه الدهر من مقدمة فمه الميمون ، كما كلفت مؤخرة الشيخ العطية وكأنها لم تتعرض إلى عملية إستئصال زوائد لحمية فقط ، بل ورافقتها عملية تجميل ايضاً ، وإلا فأي بواسير يجري إستئصالها فقط بعشرات الملايين من الدنانير ، في الوقت الذي تجري فيه مدينة الطب في بغداد هذه العملية مجاناً كما يقال ، وكما يقال ايضاً بأن مثل هذه العملية اصبحت كعملية ختان الأطفال يمكن حتى لحلاق ان يقوم بها . وإنني شخصياً اتذكر ان الدكتور المرحوم رافد صبحي اديب قام بعملية إستئصال بواسير احد السجناء في سجن نكرة السلمان عام 1964 بالأدوات البسيطة التي كانت متوفرة في السجن آنذاك ، وهي فعلاً أدوات بسيطة وتكاد تقول بدائية لإجراء عملية جراحية في سجن صحراوي .
والظاهر ان إصلاح المؤخرات والمقدمات لدى المسؤولين الكبار على حساب هذه الدولة السخية كانت طيلة هذه الفترة مسألة طبيعية واعتيادية إلا ان الشعب العراقي النائم نائم عنها حقاً . فقد كتب على موقع إيلاف الكاتب عبد الجبار العتابي مشيراً إلى الأموال الطائلة المهدورة على إصلاح مقدمات ومؤخرات المسؤولين قائلاً: ""على الرغم من الواقع المؤسف الذي يعيشه العراقيون بسبب الرعب من العمليات الارهابية التي تضرب البلاد، الا أنهم وجدوا فسحة للتهكم والسخرية مما كشف عنه حول عملية بواسير جراحية أجريت للنائب الشيخ خالد العطية (رئيس كتلة ائتلاف دولة القانون)، بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، والتي كلفت خزينة الدولة 59 مليون دينار عراقي (نحو 55 الف دولار)، وذلك من خلال برنامج تلفزيوني جمع النائبين جواد الشهيلي وحنان الفتلاوي من ائتلاف دولة القانون. كشفت الفتلاوي عن قيام الشهيلي بإجراء عملية جراحية كلفت المال العام نحو 16 مليون دينار، ففتحت فضيحة الشهيلي الباب امام الشعب ليطلع على طرق جديدة يسلكها النواب لنهب المال العام تحت عنوان العلاج الصحي، منها تخصيص 77 مليون دينار لتجميل وجه النائب كمال الساعدي، وأكثر من عشرة ملايين دينار لتصليح ضروس النائب أحمد العلواني، و59 مليون دينار لعملية بواسير الشيخ خالد العطية. فألهبت هذه المبالغ الطائلة حماسة العراقيين في التهكم والسخرية والاحتجاج، خصوصًا أن هذه الفضائح تحدث في وقت يموت فيه يوميًا المئات من الأطفال العراقيين بسبب غياب الرعاية الصحية وبسبب انتشار الأوبئة.""
كما جاء في المقال اعلاه ما تسائل به الكاتب شوقي كريم حسن:
«هل تعلم أن مؤخرة نائب واحد تستطيع أن تعيد الحياة إلى بناية اتحاد الادباء والكتاب؟» واضاف متهكمًا: «عن دار النائب في لندن، صدر كتاب بواسير الاحباب في محاضر مجلس النواب، ويتضمن ثمانية فصول تتحدث عن اسباب ظهور البواسير في الزمن الانتهازي، وكيفية معالجتها من خلال نهب اموال الفقراء والمساكين والارامل، اما الباب الثاني فيتحدث عن الكيفية الديموقراطية التي ظهرت فيها البواسير نتيجة الحوارات والمناقشات حول موضوع (اسكت والا اقول)، ويحقق المؤلف وهو العلامة ابو فخر الباسوري مجموعة من الكتب الجديدة التي يهديها حال الانتهاء منها إلى مكتبة البرلمان».
وبعد ان تم ، بعونه تعالى وبأموال فقراء ويتامى وارامل العراق وببركة اهل الدين القائمين على شؤون البلاد والعباد في هذا البلد الأمين جداً وفي هذا الزمن البائس جداً جداً، إجراء الإصلاحات والترميمات والتجميلات المطلوبة على مقدمات ومؤخرات أولي الأمر من اهل الورع والتقوى ، فقد اصبح الطريق واضحاً لأن تمارس هذه المقدمات والمؤخرات اعمالها على خير وجه . فالنائب العلواني يستطيع بمقدمة فمه الجديدة ان يكشر عن انيابه البيضاء الناصعة المصفوفة مثل اللؤلؤ ( كل السنون اعظام بس سنه ليلو ) ويشتم الشعب العراقي كما يريد وستخرج الكلمات عبر هذه المقدمة اللامعة لتؤكد ما يذهب إليه هذا النائب المحترم من سب وشتم لأهل العراق بحيث لا يُفهم من شتائمه هذه وكأنها لثغة لسان تأتي من خلال اسنان الأمس المعوجة التي تلوي الكلمات . فكل شيئ واضح هنا وشتائم النائب احمد العلواني بحق العراق واهله لا تقبل الخطأ .
أما الشيخ خالد العطية فقد اصبحت مؤخرته سالمة والحمد لله ولا يعيق عملها اي عائق يمكن ان يشكل حجر عثر امام تحقيق دعاء الفنان عادل إمام حينما اخذ في احدى مسرحياته يتذرع إلى الله طالباً منه ان يحفظ مسؤولي هذه الأمة من كل سوء متمنياً لهم السلامة والبقاء ولشعوبهم التي تزعجهم احياناً بمظاهراتها واحتجاجاتها الهلاك والدمار وأكد في دعاءه هذا على طلبه من الله قائلاً " اللهم أنفخنا وفسيهم "
والله المستعان على ساسة هذا الزمان..
مقالات اخرى للكاتب