من الامور المؤكدة حسب العملية السياسية الجارية في االعراق هي عدم القدرة على محاربة الفساد المالي والاداري الذي هدم البلاد وانهك العباد من دون ان يجد من يتصدى له بشكل فاعل ويوقفه عند حده . واسباب ذلك كثيرة منها ما يتعلق بعموم بناء الدولة واجراء الاصلاحات المطلوبة ، وسنتناوله في مقالة لاحقة ، ومنها ما يتعلق بموضوع النزاهة ومحاربة الفساد بشكل خاص . وباعتباري على تماس مباشر وتفصيلي بعمل الحكومة والقضاء والدوائر الرقابية في ما يخص محاربة الفساد المالي والاداري وخبيرا فيه فاني اشخص الاسباب التالية التي تجعل السيد العبادي عاجزا عن محاربة الفساد بشكل صحيح وفاعل وكما يلي :
اولا :
التوجه العام للعملية السياسية في العراق هو الصراع بين الشركاء السياسيين في الحكومة والبرلمان من جهة وبينهم والشعب من جهة اخرى مما ادى الى ضعف الشعور بالمسؤولية والانتماء الى الدولة لدى المواطن العراقي . وهدف الصراع المشار اليه هو حصول احزاب السلطة على المنافع الفئوية والخاصة واستحواذها على اكبر مايمكن من المال العام بعيدا عن (المصلحة الوطنية) و (بناء الدولة) و (خدمة الشعب وتلبية مطالبه وتوفير احتياجاته ) وفي هذا تتسابق الكتل للحصول على المناصب الحكومية متشاركة مع بعضها بالفساد والسرقات والمشاريع الوهمية والعقود الكبيرة المريبة حتى صارت الدولة نهبا مشاعا لغالبية الكتل والاطرف السياسية والشخصيات الحكومية والبرلمانية الا من رحم ربي .
وحيث ان رئيس الوزراء هو المرشح المتفق عليه من قبل هذه الكتل لرئاسة الحكومة وهو خلاصة التوافقات السياسية المبنية على المساومات والضغوط والابتزازت المتبادلة فانه بالضرورة يكون تحت رهن اشارتهم ومنفذا بقدر كبير لما يريدون جميعهم او بعضهم القوي وبالتالي يصعب عليه معارضتها او محاسبة او تقديم وزرائها والمسؤولين الكبار الفاسدين الممثلين لها في الحكومة الى القضاء ولا حتى تبديلهم فهم محميون من كتلهم لانهم ذراعها في الفساد والممون لها بالمال العام لتنفيذ برامجها الحزبية والفئوية والشخصية .
ثانيا :
ضعف القضاء امام حيتان الفساد الكبيرة الحكومية منها والاهلية وامام المغريات الحياتية مع ضعف الامكانات المهنية وخطا بعض الاجراءات في مجال مكافحة الفساد يصاحبه السطوة والهيمنة الكبيرة والواضحة التي يمارسها رئيس مجلس القضاء على مختلف مفاصل السلطة القضائية ومحاباته لبعض زعماء السلطة التنفيذية مما جعل السلطة القضائية في العراق بمنأى عن اي تاثيرات جانبية تطالها على مستوى التبديل او الاصلاح . كل ذلك حول القضاء من محطة رئيسية ومهمة لمحاربة الفساد الى دار استراحة يمر بها الكثير من المسؤولين الكبار ويخرجون منها متعطرين ضاحكين ومستبشرين .
وبسبب الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية حسب الدستور النافذ فان السيد حيدر العبادي غير قادر ابدا على التاثير على القضاء باتجاه تفعيل دوره في محاربة الفساد وغير قادر على تشكيل محاكم خاصة لهذا الموضوع كما يطالب الكثير من المتظاهرين بل انه غير قادر ابدا على اي شيء يمس القضاء سوى دعوة السلطة القضائية لاصلاح نفسها وهو مافعله تطبيقا لمبدا (اذا اردت ان تطاع فأمر بما هو مستطاع ).
وحيث ان القضاء هو الفيصل في تناول قضايا الفساد بجدية وفاعلية وسرعة حسم وهو المعني باصدار الاحكام القضائية على الفاسدين فان محاربة الفساد المالي والاداري لن تتم ولن تفعَّل مادام القضاء لم يصلح نفسه .
ثالثا :
الدوائر الرقابية (هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين) ،المفروض ان تكون هذه الدوائر الدوائر اليد الحديدية للسلطة التنفيذية بغض النظر عن مسالة تبعية هيئة النزاهة وارتباطها بالحكومة او البرلمان او استقلالها عنهما فهذه الدوائر تمثل عين الحكومة في كل مفاصلها التنفيذية تراقب لتمنع الفساد ولكن واقع الحال انها عاجزة بشكل كبير عن اداء دورها لانها تخضع لتوجيهات السلطة التنفيذية التي تستخدم هذه الدوائر اداة للضغط والمساومات والابتزاز على من تريد اسكاته بعيدا عن المهنية في عملها اضافة الى ان هذه الدوائر مليئة بالاخطاء الفنية والهيكلية التي تعرقل عملها كما ان المفاصل الادارية والشخصيات المسؤولة عن مكافحة الفساد فيها تتصف بالضعف الواضح في ادراة الحلقات المسؤولة عنها ضمن اختصاصها وقلة خبرتها وخضوعها لادارات اعلى منها اضافة الى ان فلسفة منح هذه المناصب القيادية في هذا المجال المتبعة من قبل رؤسائها ترتكز على مسالتين خطيرتين هما الانتماء الحزبي والمذهبي وضعف الكفاءة والخبرة اي انه ليس بالمستوى المطلوب لاكتشاف الفساد وتشخيص اوجه الخل في عمل دائرته من جهة التوجيهات والاجراءات وساكتا عنه ليكون الشخص المعين راضيا بحاله وشاكرا لرئيسه فينفذ ما يطلب منه من دون معارضة وهذا هو المطلوب في هذه الدوائر .
فكيف يستطيع السيد حيدر العبادي محاربة الفساد بهكذا دوائر اهم اعمالها انها تلجا الى التصريحات الاعلامية بعيدا عن الانجازات الحقيقية على ارض الواقع .
ومما يؤكد عجز السيد العبادي عن محاربة الفساد هو عدم تبنيه لبرنامج فني واداري موحد وفاعل قدمناه له عن طريق احد الحلقات التابعة له (لعدم استجابة مكاتبه لنا وعدم وجود طريق اداري لايصاله له) ، ولانعلم ان كان البرنامج وصل اليه ام لا ، ويعمل هذا البرنامج على مراقبة ومتابعة عمل القضاء وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين ليساهم في اصلاح اشكال الخلل في اجراءاتها ويقلل الى حد كبير حالات الفساد الاداري والمالي في الدولة .
علما لدينا دراسات تفصيلية في هذا المجال ولكن لاتوجد اطراف مستعدة للاخذ بها لعدم وجود نوايا حقيقية لمحاربة الفساد وبصراحة اقول انه اصلا لاتوجد جهات تستحق ان نقدم لها هذه الدراسات .
مقالات اخرى للكاتب