لست لُغويا - الا اذا قريء اللام بالفتح وسُكّنَ مابعده - لكن حظ غيري العاثر جعل التعامل مع اللغة العربية الى جانب الفارسية والانجليزية ، دكانا لرزقي . واذا قدر للغة ان تستقيل ذات يوم فعليَّ ان استقيل قبلها من الحياة فاريح واستريح . ومن تداعيات "امتهان" اللغة انني ابتليت بزميل ، و لعله مبتل بي ايضا ، كلما ورد اسم شاعر من شعراء العرب والعجم ، قال باللهجة العراقية المشددة ملء شدقيه : أيّباه !!! شلون شاعر يخبُّل " يجنن باللبناني" . فاذا سالته عن بيت واحد يحفظه له ، دعاك الى كاس شاي و صرف الحديث الى تطور مستوى رياضة الهوكي على الجليد في جزر القُمُر . وانتهى الامر بصديقنا ذات يوم ان احد زملائنا العرب نصب له فخا خبيثا ، سمعنا خلاله آخر ايبّاااااه من صاحبنا . ذات مفارقة ، ذكر زميلنا العربي اسم شاعر امام صاحب الايّباهات العراقية الممدودة الالفات ، وكالعادة لم يتاخر اخونا في الله عن الاعراب عن اعجابه بالشاعر . حينها صارحه العربي بان لا وجود لهذا الشاعر في دواوين العرب انما هو اسم اختلقه لاختباره فقط ، فسقط في يديه . وكان ذلك حسن ختام لاعجابات صاحبنا التي تجاوز عددها الاعجابات واللايكات والشيرات المتبادلة على صفحات الفيسبوك منذ عام الفين واربعة حتى اليوم مجموعة . امثال صاحبنا كثر والحمد لله . تذكر المتنبي فيقول لك : الله انه شاعر عظيم غطى على جميع اقرانه في العصر الجاهلي . وتذكر له النابغة فيرد عليك بانه نابغة حقا ترك كل شعراء العصر الاموي يلهثون وراءه . وتذكر له محمد مهدي الجواهري فياتيك التعليق بان "عيد باية حال عدت يا عيد" افضل قصائده على الاطلاق . وأمثال هؤلاء لا يترددون في تكرار قولة واحدة استظهروها من الصغر بان العربية لغة عظيمة وهي لغة القران العظيم و فيها اربعون اسما للعصا وخمسون للجمل وستون للغمام وسبعون للصحراء وثمانون او ثمانمئة للاسد ( في العراق يسمى "ابو خميّس "بتسكين الخاء وفتح الميم وتشديد الياء وتسكين الميم وهو على ما يبدو اسم الدلع للاسد تجنبا لشره المستطير ) . ولانها فكرة عالقة منذ الصغر فانها تبقى ويزول الحجر . يا اخي ياعزيزي يا تاج راسي اذا كنت لا تعرف لاي العصور الادبية ينتمي النابغة والمتنبي والجواهري وسواهم ، ولا تحفظ من القران سوى فاتحة الكتاب وسورة قصيرة لاداء الفريضة فعلام المحاججة ؟ ماهي قيمة آلاف الاسماء او الصفات بالاحرى التي يضج بها القاموس المحيط اذا كانت اليوم مركونة على جانب لا يستخدمها حتى الخاصة ؟ كم اسما للاسد نستخدم اليوم للدلالة على هذا الحيوان المفترس ؟ وكم اسما للجمل ؟ وكم اسما للبحر وللغمام وللصحراء ... تهميش كامل لهذه الكلمات القاموسية لا يشبهه الا تهميش المكونات في العراق في مرحلة ما قبل المقبولية ، اي فترة الحجي ابو اسراء . اقرأ القرآن من اوله الى اخره قراءة غير ببغاوية ، لن تجد في مجموعه من الكلمات المهمشة ما يعادل خمسة ابيات من لامية المغفور له الملك الضليل امرؤ القيس . لو ان قوة اللغة تقاس بسعة الفاظها لسبق القران الكريم كل الفصحاء اليها . هل هذا يعني اننا نتحدث بلغة القران اليوم او نكتب بها . من الطبيعي ان يكون الجواب كلا . لكنني اقولها بجزم ان القران لو كان نزل بلغة "بين الدخول فحومل " لكنا اليوم نضرب اخماسا باسداس لا نلوي على شيء لاننا سنقف امام طابور من الاحجية والالفاظ ، وليس امام كلام وصف بالمبين وهو خير وصف لخير واصف لخير موصوف . كان استاذنا الكبير في كلية الاداب المرحوم الشاعر عبد الامير الورد يسمي القران الكريم معجم الفقراء أو قاموس الفقراء وهو يضع نسخة بحجم صغير في جيب سترته البالية صيف شتاء . وكان يدعو طلابه المتغابين - وانا منهم - ان يقرأوا القران مرة واحدة بصدق وصفاء وهو ضامن لهم اللغة والنحو والصرف العربي صفقة واحدة . لكن لا حياة لمن كان ينادي الورد رحمه الله . اليوم وبعد فوات اكثر من ثلاثة عقود على تلك الدعوة الكريمة ، اراني احوج ما اكون الى قراءة متانية للقران الكريم ، لكن من اين آتي بالصدق والصفاء اللذين اشترطهما الورد في القراءة . لا ادري اينا المسكين نحن ام الورد الذي مات ولم يسمع باليوتيوب والتويتر والفيسبوك والواتساب والفايبر ، لكنه مات شاعرا كبيرا ولغويا كبيرا ونحويا كبيرا و الأهم من كل ذلك ، قرانيا كبيرا ، والويل ، كل الويل ، لنا نحن الذين اضعنا كل شيء من اجل لا شيء ... لا شيء اطلاقا . غاية ما نملكه اليوم هو صيغة الاعجاب العراقية "أيّباه" التي كان يطلقها زميلي عندما يذكر امامه اسم اي شاعر حتى وان كان مختلقا لا وجود له على الارض. حييتم وبييتم
مقالات اخرى للكاتب