اذا كانت الصورة التقليلدية والمعروفة للعنف هو العنف الموجه ضد المرأة فان واقع الحال الموجود يبين ان هناك ضحايا آخرين للعنف من غير النساء، وهم كثيرون ومتعددون بقدر تعدد الاسباب والظروف والوقائع التي تؤدي الى العنف ويعاني افراد من مختلف الاعمار والمستويات الى مختلف الاضرار النفسية والجسدية والتي تلتقي في وصف ومسمى واحد هو العنف.
ومع هذا فان أول ما يتبادر الى الذهن عند الحديث عن العنف هو الرجل والمرأة اي الضحية والجاني الذي غالباً ما يكون زوجاً او أباً او اخاً او واحد من الاقارب المتهمين او المشكو منهم في قضايا كانت بالاساس مجرد حكايات وقصص صغيرة لا تتعدى الظن والشك المقترن بظروف الحياة العصرية وتطور وسائل الاتصال وانتشار اجهزة الموبايل والانترنت وبرامج التواصل والصداقة الافتراضية عبر الفيس بوك والذي تزخر مراكز الشرطة والمحاكم عن قصص محزنة ومؤلمة عنها، والتي بدأت بالعنف اللفظي او الكلامي وتطور في مراحل لاحقة الى الضرب والاعتداء وربما وصل الى التصفية والقتل، او جرائم الانتحار المدفوعة اليها الضحية بارادة او من غير ارادة منها والذي يكون العنف هو السبب او الدافع لما حصل ويحصل.
هذه الصورة المحزنة وغيرها الكثير مما حدث ويحدث في العديد من دول العالم هو ما دفع الامم المتحدة الى تخصيص يوم محدد في السنة هو يوم الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام يوماًً عالمياًً للقضاء على العنف ضد المرأة بموجب قرار الجمعية العامة للامم المتحدة المرقم 54/134 والمؤرخ في 17كانون الاول/ديسمبر 1999، ودعت فيه الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية الى تنظيم أنشطة وفعاليات تهدف الى زيادة الوعي العام بهذه المشكلة التي بدأ الاحتفال بها من عام 1981، حيث تشهد مختلف دول العالم الاحتفالات واقامة النشاطات والفعاليات التي من شأنها تسليط الضوء وبيان الاخطار والنتائج المترتية على هذا السلوك والموجه بشكل خاص الى المرأة من اجل الحد او التقليل منه.
وقد صدر في اقليم كوردستان قانون خاص بعنوان (قانون مناهضة العنف الاسري في اقليم كوردستان-العراق رقم 8 لسنة 2011) والذي يعتبر بحق خطوة قانونية شجاعة وسابقة ورائدةوحقق سبقاً على التشريعات في العراق الاتحادي والتي لم تقدم الى هذا اليوم على تشريع قانون شبيه او مماثل له رغم المطالبات والمناشدات من العديد من المطالبين والمدافعين عن حقوق الاسنان وحقوق المرأة بشكل خاص.
وقد اصبح هذا القانون نافذاً ومطبقاً من تاريخ 11/8/2011 وهو تاريخ نشره في الجريدة الرسمية (وقائع كوردستان) في العدد 132، وتضمن هذا القانون عشر مواد واسباب موجبة جاء فيها(العنف الاسري ظاهرة سلبية مخالفة لمبادئ الشرائع السماوية وحقوق الاسنان ولكون الاسرة اساس المجتمع ومن أجل حمايتها من التفكك وحماية افرادها واتخاذ الاجراءات القانونية لسلامتها واستقرارها ومنع العنف الاسري بالطرق الوقائية قبل وقوعه وبحث الحلول الاصلاحية والعلاجية بعد وقوعه..).
والعنف الاسري حسب تعريف القانون(المادة الاولى/ثالثاً) هو(كل فعل او قول او التهديد بهما على اساس النوع الاجتماعي في اطار العلاقات الاسرية المبينة على اساس الزواج او القرابة الى الدرجة الرابعة ومن تم ضمه الى الاسرة قانوناً من شانه ان يلحق ضرراً من الناحية الجسدية والجنسية والنفسية وسلباً لحقوقه وحرياته) وهو تعريف ماخوذ من الاعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة مع شئ من التغيير البسيط.
لكن من المهم ان نؤكد ان القول بان الجاني هو الرجل والضحية هي المرأة دائما قول غير صحيح ودقيق، بالرغم من ان أغلب القضايا التي يتداولها الناس والاعلام هي القضايا التي تكون في نهاياتها والضحية قد تم الاعتداء عليها او ماتت او انتحرت مما يجعلها مادة اعلامية وقضية تتبارى في تناولها المنظمات والجمعيات الممهتمة بالمرأة وحقوقها، ويتم التغافل عن كون العنف يقسم الى انواع بعضه ظاهر مكشوف والكثير منه مخفي ومستور او يتغاظى عنه الناس بسبب الخوف او الخشية من العار او مراعاة الاوضاع الاجتماعية وغيرها من الاسباب.
في مجتمعنا وفي اغلب المجتمعات الكثير من العنف ضد الاطفال، والعنف ضد الطلاب في المدارس، والعنف ضد المعلمين من قبل الطلاب، او من اولياء امورهم والعنف الذي يعيشه الموقوفون والمحكومون في دوائر الاصلاح الاجتماعي واصلاحيات الاحداث التي وان غيرت العنوان او الاسم المتعارف عليه كونها (سجون او مراكز توقيف) الى ان واقع الحال فيها يشير الى ممارسات وعمليات عنف منظمة ومرتبة ومنهجية ومستمرة يمارسها المشرفون والمراقبون والحراس على الضحايا من السجناء والموقوفين، ويقف القانون عاجزاً عن فعل اي شئ للضحايا بسبب القيود والممارسات وتستر السلطة التنفيذية والادارات المختلفة على اعمال منتسبيها وموظفيها.
وهناك اهم واكبر عنف يعيشه العالم ومنطقتنا بالذات وهو الارهاب الذي يعتبر اكبر وأخطر انواع العنف الموجه ضد الحياة الانسانية والذي تعاني منه مجتمعات وشعوب واقليات دينية وعرقية ومذهبية من شروره وآثاره التي نجدها في ملايين النازحين والمُهجرين واللاجئين الذين يعانون ويقاسون من كل انواع العنف ضد حياتهم ومستقبلهم ووجودهم واطفالهم ونسائهم والذين يحتاجون بحق ان يتم الاشارة اليهم وبيان معاناتهم في كل يوم وفي كل مناسبة لانهم يمثلون ويجسدون كل صور وانواع العنف.
مقالات اخرى للكاتب