لا يمكن لحرية التعبير، أن تجعلنا نغير من قناعاتنا، فالحرية لا تعني التساهل، والإنفلات والإقصاء، بل تعني التعايش السلمي، بين أبناء الشعب الواحد، وفقاً لضوابط وإلتزامات وطنية، لا يتجاوزها أحد، فالخرق الذي يصيب ثوباً بالإمكان رتقه، أما الخرق في الإنتماء والهوية، فهذه آفة لا يحمد عقباها، ولولا وجود خيار البشر، المعتدلين المتسامحين، الذين نتاج حديثهم، الرحمة والألفة، لعجت البلاد بالمتناقضات والصراعات، ولما استطعنا وأد الفتنة، التي أرادَ غيلان السياسة زرعها.
المفهوم الدقيق للحرية, هي أنها ليست خاطرة من الخواطر الأخلاقية, بل حق واضح ومحراب مدو, يزخر بالبلاغة والفصاحة لسائر الأجيال, وعلى هذا الأساس يجب عقد إجتماع طارئ, بين المعجبين بالحرية والكارهين لها, لأن الجواب سيكون في سياق الرد: حق مشروع وطبيعي من أجل الكرامة، فالحرية تصنع أوطاناً صالحة للإستعمال المدني, كما إنها توسع مدى الجرعات الثورية عند الأحرار, لمواجهة الإستبداد والظلام, فإبتسامة الاحرار أمرها عجيب للغاية.
إما الشخوص الحاكمة التي جاءتنا بإسم الحرية، مثلت النظام الرأسمالي بتفوق، فبذلوا قصارى جهودهم، لإستثمار خيرات العراق، بعيداً عن الديمقراطية، ودليلهم أرباح النفط المهولة، وفائض الميزانيات الإنفجارية، بغض النظر عن دوامة العنف والإرهاب، التي زج العراق بها، وفق نظرية المؤامرة والخدعة، بل وحتى الإهمال، لكن السفهاء فعلوا ما فعلوا، وتغيرت معهم ملامح الوطن، بمعادلة قذرة، أعادته الى عصر الجهل والجاهلية، على يد الإرهابيين، الذين وجدوا في العراق، دولتهم المزعومة اللإسلامية الإرهابية، بمساعدة الخونة، فكيف كنا؟ وكيف أصبحنا؟.
صمت السفهاء والضعفاء من الساسة، هو الذي سمح بإجتياح التطرف، الى أذهان الناس، ومرده أن الوقاحة والطغيان، والإستبداد وأساليب العصابات الإجرامية، والتأكيد على السياسة الفاشلة للحكومة السابقة، وما نتج من ضربات، كادت أن تكون قاتلة، وهذا الفلم من بطولة أشباه الرجال، الذين عاثوا في الأرض فساداً وخراباً، ويتوقعون أنهم يؤدون دوراً نضالياً، نظراً لطبيعة نفوسهم، الإمارة بالسوء، فقد أدرك الأبرياء موقعهم في الفلم، بأنهم قد أصبحوا جزء من معاركهم الزائفة، ويدفعون ثمن مشاركاتهم في الإنتخابات.
ختاماً: بقي أن نعلم, من المفارقات التي نعيشها حالياً, هو الوعظ الذي أصبح غير مجد, في زمن صار فيه ثمن الإنسان رصاصة, وما زال العرب يختلفون على غسل الرجلين أو مسحهما, وعلى هذا أصبح الغرب يعيش حالة من التجدد, أما العرب فقد عاشوا حالة من التجديد, وهناك فرق كبير جداً بين الفن والصنعة.
مقالات اخرى للكاتب