ابتداءً شكرا لكم سيدي الخزاعي على الرد المؤدب الجميل، وقديما قيل : ان الفعل دليل الأصل وانت منهم.
لانريد العودة لنظرية الترادف اللغوي ،فقد قصدنا فيها اختلاف المعاني للمصطلحات القرآنية المتعددة ولا نقول المختلفة ، هذا المصطلحات التي لا نستطيع فهمها الا بالـتاويل للنص المقدس وليس بالتفسير اللغوي له ، بعد ان دخل التغيير على مفردات اللغة ،فنحن اليوم بحاجة الى التأويل من قبل العلماء مجتمعين لا مفرقين وحسب الآية الكريمة 7 من آل عمران. وعلينا ان ننظر الى ما بعد زمن الترادف في اللغة ،لكونه يعكس مرحلة تاريخية قديمة ،كانت فيها الفاظ اللغة العربية تعبر عن التفكيرالقائم على ادراك المشخص ولم تكن فيها التسميات الحسية قد أستكملت بعد تركيزها في تجريدات.
فلا داعي للأطالة والدخول في مسارب المحاورات التي تحتاج منا الى الكثير. ونعود للمهم في طلبكم سيدي الخزاعي ،فنقول :
ان اطروحة فصل الدين عن السياسة بالمعنى العلماني، ظهرت مع عصر النهضة الأوربية لتناقض مكتشفات العلم الحديث مع التفسير التوراتي للكون. ولأن الطرح التوراتي والأنجيلي كان مرحليا، فكانت المطالبة بالفصل واقعية وتنسجم مع الفطرة الانسانية في التطوير. وبأنفصال الدين عن السياسة وفق هذا المنظور تحققت لأوربا السعادة الكلية وتخلصت من مؤسسة الكنيسة ورجال الدين،ولكن هذا لا يعني ان الاوربيين قد ألغوا الديانتين بل بالعكس اصبح لهما عندهم مكانت التكريم بصدق.
بينما الدين الاسلامي دين حنيفي متطور يتماشى مع التغيير الزمني لواقع التحريك التاريخي للمجتمع وينسجم مع الفطرة الانسانية فهو ليس بحاجة الى فصله عن الدولة ، وان النص الديني ثابت لكن محتواه متحرك في المعنى والتطبيق وان لم يدرك من قبل فقهاء التفسير.لذا فان القرآن لا يفسر، لكنه يؤول . ولا يفوتكم الفرق بين التأويل والتفسير اللغوي وبين
2
الفقهاء والعلماء لغة ومعنىً ، ومن هنا فقد طبق التشريع خطئا على المواطنين. فلا يجوز المزج بينهما لغة وأصطلاحاً ،وهذا اكبر خطا يرتكب منذ القرن الثاني الهجري ولا احد يجرأ على القول فيه لان الفقهاء وفقهم في غالبيته يخدم السلطة ولا يخدم عامة الناس.فأدخلونا في سجن لا نوافذ له لشم الهواء العليل.
من يرغب بفصل الدين عن السياسة فصلا تاما يعني يريد ان يفصل حنيفية التشريع في وصايا الفرقان ، وفصل مفاهيم الجمال ،وفصل مفاهيم الحق المطلق عن الدولة ،لانها من الفطرة الانسانية وهذا غير جائز. لكن هذا لا يعني ان نبقى نلهث وراء الفقهاء ومذاهبهم التي اصبحت تاريخ ، والتي فرقت بين المسلمين وحولتهم الى اشتات وكأننا نؤمن بديانات لا دين واحد في التطبيق بعد ان كنا نؤمن بوحدة الدين .
اعتقد ان الفصل يجب ان يتم بين مؤسسات الدولة ومؤسسات الدين وليس عن الدين،ولكل منهما له استقلاليته ورأيه في التطبيق،وبهذه الحالة يكون الدين مراقبا على خط الاستقامة في التطبيق. ودستور المدينة المغيب عن المسلمين اليوم يقر بهذا التوجه، انظر الى وثيقة المدينة التي كتبت في السنة الخامسة للهجرة ولا زالت مغيبة عنا الى اليوم.
لكن من حق المسلم ان يتسائل :هل ان النبي مارس الاكراه في الدين كما نمارسه اليوم ؟ وهل أوصى النبي بالمذاهب المفرقة للمسلمين ؟ وهل مارس النبي التقديس(قدس سره) كما تمارسه مرجعيات الدين؟،وهل مارس النبي الاستعلائية على الناس ؟،وهل مارس فرض العادات والتقاليد كما نراها اليوم حين حولوا كل غالبية شعب العراق الى جملة تقاليد،حتى اصبح انسانه اشبه بالأنسان القديم.
الاسلام جاء من مبدأ الدفاع عن الحدود، لذا فأن نظرية الحدود هي قوانين الوجود في الحق المطلق والاخلاق والحقوق والأئتمان على المال العام والتطوير دون تفريق. فهل من سلطة دينية البارحة واليوم طبقت تلك الحدود ؟ هذا الذي شعر به الاوربيون حين وجدوا ان الدين هو الاساس في تضيق الحقوق ، فقامت ثورة لوثر وكالفن لتقاوم ظلم مؤسسة الدين على الناس،فحققت ما ارادت وكونت مجتمعات الكل التي اليوم تشرأب الاعناق للعيش معهم امنا وسلاما وكفاية وعدل. هذا الذي كنا نتمناه بعد التغيير لننشأ مجتمع العدالة لا مجتمع الظالمين. فهل بأمكانهم تحقيق هذا الذي حققته اوربا لشعوبها اجمعين ...؟.اذن ما الفائدة من دين بلا نفع
3
وتطبيق..؟ هناك دول كثيرة تقدمت في معارج الحضارة والتقدم وهي بلا دين كما في اليابان والصين وغيرها كثير.
ونحن اليوم نُظلم بالدستور، وبالقوانين المزدوجة التي تفرق بين المواطنين بأسم الدين، وباستغلال الوظيفة والمنصب والمال العام دون رقيب او حسيب وبأسم الدين وكتل الدين،ولا ناصر لنا ولا نصير، بعد ان اصبحت الامانة والعهد وقسم اليمين في خبر كان في التطبيق ،وحولوا مجتمعاتنا الى تخريف.واذا تكلمنا قالوا تكفيريين....؟ أما اذا تكلم ممثل المرجعية بعد صلاة الجمعة فهو يدغدغ احلام الحاكمين،حتى في الجهاد أعلنوه جهادا كفائيا لا فرض عين تحقيقا للسلطويين هم واولادهم المنعمين ،لأن جهاد فرض العين يشمل الكل دون تفريق ، ومع الاسف ،حين يتكلمون ، فهم يتكلمون من وراء حجاب في النصح والارشاد ليس الا . اذن من حق المظلومين ان يطالبوا بفصل سلطة الدين عن سلطة الدولة ضمانا للحقوق وليس عن الدين ،والفرق واضح فيما نقصد ونعتقد ونرغب ونريد ..
كفاية يا اخ حسين فقد ظلمونا وانتزعوا حقوقنا وحرمونا الوطن والارض والامل،وهم واولادهم يرفلون في الامان والاستقرار والمنصب والمال دون الاخرين.هذا هو اسلامهم الذي يريدون منا التطبيق.والله واقولها بملىء الفم - وانت العزيز - لو كنا نعلم هذه مزاياهم واخلاقهم في التطبيق وكنا نهرول خلفهم بهذا الغباء لأنتحرنا قبل ان نعادي الأخرين.
مقالات اخرى للكاتب