البيئة الاعلامية في العراق تشكلت اليوم في اعمها الاغلب من منبعين ، الاول من اولئك الصحفيين الذين كانوا يعملون في العراق وتحت ظل نظام ديكتاتوري بشع لايسمح لفعالية اجتماعية سواء نقابة او غيرها ان تكون خارج سيطرته وتدجينه بما يتفق واهدافه ، ولذا كانت النقابات تزخر بالموالين والمشبعين بثقافة البعث ، ولكن لايعدم ان نجد الكثير من يوالي االبعث ظاهرا ويعارضه سرا لمصالحه الخاصة يعمل او ينتسب الى نقابة الصحفيين ، وهذه ظاهرة عامة في جميع النقابات والاتحادات والجمعيات وخصوصا تلك التي بتماس في تشكيل العقل العراقي وتوجيهه وصناعة المحتوى الوجداني للفرد العراقي وتنظيمه بما يتفق مع توجهات النظام المقبور ، والمنبع الثاني خليط ما بين اعلاميي الخارج و بعض اعلاميي الداخل الذين كانوا معارضين للبعث المقبور وينظرون الى الفعاليات الاجتماعية على انها ادوات بيد النظام السابق يبسط من خلالها سطوته وقمعه ، ولذا شهدنا مثقفين وكتاب وشعراء يكتبون لانفسهم فقط او لثلة من اصدقائهم الموثوقين ولم ينتسبوا لفعالية اجتماعية خشية مصادرة حريتهم وانخراطهم مع جوقات المطبلين والمهللين لقائد الضرورة....
سقط النظام المقبور بيد العراب الامريكي ليرسم لنا خريطة النظام الجديد ودون ادنى التفاتة لحقوق الشعب الثقافية والفكرية مما سمح لمطبلي الامس بالبروز على المشهد الثقافي والاعلامي بل ولازالت الاجواء الثقافية والاعلامية تدار وتضبط ايقاعتها من كثير من الشخوص المشبعين بثقافة الديكتاتورية ، ولهذا شهدنا نكوصا وامتدادا لثقافة التجهيل والاستغباء واشاعة ثقافة القطيع بين ابناء المجتمع والمطبلة لقادة الضرورة الجدد....
ولعل من الفضائح التي بينت مدى تشبع البيئة الاعلامية بثقافة الديكتاتورية هي ردود الافعال التي صاحبت ولادة لنقابة جديدة قد تنجح وقد تخفق ، فالحجة التي تبنتها نقابة الصحفيين العراقيين والكثير من منتسبيها هي رفضهم لتمزيق الاسرة الصحفية !!! ، قد اتقبل من انسان بسيط محدود الوعي والثقافة هذه الحجة لكن لايمكن ان نتفهم ان يصدر هذا الاعتراض من اعلامي فضلا عن من يمثل مؤسسة كنقابة الصحفيين ، لان صفة الاعلامي تتلازم مع صفة المثقف والمثقف يدعو الى اشاعة ثقافة احترام دستورنا على رغم الاختلاف مع بعض موارده ، بل ويدعو الى احترام الموارد التي يخالفها في نفس الوقت الذي يدعو فيه الى تغييرها ، والدستور واضح وجلي حيث الزم الدولة بحق تأسيس النقابات والاتحادات والجمعيات وهذه من بديهيات النظام الديمقراطي ، اما رفض التعددية في الفعاليات الاجتماعية فهو من وحي الثقافة الديكتاتورية التي تشبع بها المجتمع.....
النقابة الجديدة والتي سمت نفسها بالوطنية فعلى المستوى الشخصي اجد ان نقيبها عدنان حسين وسرمد الطائي من اولئك اصحاب الخطاب العنيف الذي لاينسجم مع مواصفات ومتطلبات عناصر القيادة ، وهذا لايعني رفض توجهاتهم واهدافهم - فمن حقهم ان تكون لهم توجهات واهداف ما دامت ضمن الاطار الدستوري المسموح - بقدر ماهو رفض لاسلوب ومنهجية الطرح غيرالمنسجم مع مواصفات القائد ، ربما افضل السيد عبد المنعم الاعسم او استاذ الاعلام الدكتور هاشم حسن على مستوى الخطاب والمنهجية في الطرح ، وهذا رأي شخصي يبقى في اطار الرأي المخالف التي تسمح به ثقافة وممارسة الديمقراطية....
اعجبتني مفردة طرحها السيد عدنان حسين نقيب الصحفيين الوطنيين حينما شدد على ضوابط الانتساب للنقابة لكي لاتكون مرتعا خصبا لكل من لايفقه مهنة الاعلام او لايمتلك نتاجا يوفر حكما من اهل الاختصاص بان صاحبه من اهل الاعلام ، والحقيقة نتفق مع ماطرح عدنان حسين بان هنالك الكثير ليسوا من اهل الاعلام يمتلكون هوية نقابة الصحفيين العراقيين ، نتفق مع قوله هذا على الرغم من عدم امتلاكنا معلومات عن ذلك ، واتفاقنا هذا ناشيء من سبب بسيط مفاده ان المغانم والمكارم والامتيازات التي اغدقت بها السلطة على الصحفيين من خلال نقابتهم تجعل الانتساب اليها مطمح كل طامع ، وبالتأكيد فان ثقافة المحسوبية والفساد المتحركة في جميع ثنايا دولتنا ومجتمعنا سوف لن تكون نقابة الصحفيين العراقيين بمنأى عنها....
وعلى العموم فان تعدد النقابات والاتحادات والجمعيات سيخلق جو من التنافس في العطاء والسمو في الاهداف والطموح ، وبهذا فسوف يفرز النفيس من غيره مما يوفر مساحة عريضة من الخيارات ستلبي اختلاف الرؤى والطموح...
واخيرا نبارك لنقابة الصحفيين الجديدة تأسيسها على امل ان تستطيع تجاوز العقبات القانونية واللوجستية في ترشيدها وديمومتها...
مقالات اخرى للكاتب