مرور عشر سنوات على الاجتياح العسكري الاميركي للاراضي العراقية يشكل مادة للعشرات من الاعمدة والمقالات الصحافية في الصحف الاميركية هذه الايام . هي في مجملها تنقسم بين مؤيد لذلك الاجتياح لكنه يناقش أخطاءه، ومعارض له يريد الاستدلال بالواقع الحالي لاثبات صحة معارضته . هو ذات الانقسام الذي شهدته الساحة السياسية الاميرمنذ بدء الحملة العسكرية الاميركية في آذار 2003 وانتهى باحتلال بغداد وسقوط الصنم .اللافت ان الانتقاد صدر حتى عمن كانوا يديرون العملية الاميركية السياسية والعسكرية في بغداد، فقد اعترف الحاكم المدني بول بريمر بارتكاب “أخطاء جسيمة “، في حين يركز غالبية الكتاب على الخلل في الادارة العراقية خصوصا تفشي الفساد متناسين مسؤولية الجانب الاميركي عن تشجيع وترسيخ ظاهرة الفساد الموروثة اصلا من النظام الدكتاتوري السابق .
قبل الانسحاب الاميركي من العراق كانت احدى لجان الكونغرس الاميركي تسائل المفتش الاميركي العام للاعمار في العراق ستيورات بوين حول ضياع مليارات الدولارات ، كان جوابه باختصار : هذه اموال عراقية وليست اميركية فلماذا تسألون عنها ؟ بين تلك الاموال كان هنالك ثلاثة وعشرون مليار دولار المتبقية في صندوق العراق في الامم المتحدة وتم تحويلها الى الجانب الاميركي باعتباره سلطة احتلال آنذاك وفق قرار الامم المتحدة، لكنها ضاعت ولم يجرؤ أحد عن السؤال عنها .
اليوم يصدر بوين تقريرا مفصلا لتقييم التجربة العراقية بعنوان “ دروس من التجربة العراقية “ سنتوقف عند بعص فصوله لاحقا لكنني أشير الى تركيزه على ما يسميه خطأ فادحا تمثل – حسب رأيه – باجتثاث البعث وحل الجيش . هو لم يتحدث عن أخطاء شابت تطبيق الاجتثاث إنما تحدث عن خطأ الاجراء من اساسه . اللافت ان استنتاجه هذا ارتكز على مقابلات اجراها مع “سياسيين “ ينتمون الى مدرسة الحكم السابق حتى لو انخرطوا في الحكم الجديد وتبوأوا مراكز رفيعة فيه .
وما “يستنتجه” ستيورات بوين يشاركه فيه كتاب مقالات كثر في كبرى الصحف الاميركية. كلهم يعزفون على وتر واحد في وصفهم للحالة العراقية بعد عشر سنوات من اطاحة صدام هو : “حكومة طائفية وتهميش واقصاء، وهيمنة ايران “ فيما تقل المقالات الموضوعية في تقييم الوضع العراقي .
ليس كل الكتاب مغرضين ،لكن نقص المعلومات من مصادرها يفتح الساحة الصحافية الاميركية على مصادر مغرضة مناهضة لمعادلة الحكم التي حلت مكان المعادلة الاقصائية الطائفية السابقة . الصحافي الاميركي يسعى وراء المعلومة فلا يجد من يمثل الحكم العراقي الجديد او رأيه الا القليل . زيارات هؤلاء لواشنطن شبه معدومة والسفارة العراقية تغط في سبات عميق او ينشط فيها أفراد ضد النظام السياسي العراقي فيما تعج واشنطن بوفود لا تنقطع، من حملة الرأي المعارض والاتهامات الجاهزة لحكومة هم يشاركون فيها بشكل كبير، وهذه حالة لا ترى إلا في العراق.
نتيجة ذلك ان الساحة الاميركية تبدو في أغلبها ( إدارة وصحافة ومراكز فكر ) تنظر بسلبية للحكم في العراق بسبب الغياب العراقي الرسمي عنها . هذا يعني ان هذه النظرة قد تتحول الى سياسات تجاه العراق ، ولا أحد يجادل في حجم التأثير الاميركي على العراق اليوم .
مقالات اخرى للكاتب