في أغلب دول العالم المتقدم منها أوالثالث، بل وحتى المتخلف منها تجري الانتخابات وبعدها بأيام لاتتجاوز الاسبوع يتم الاعلان عن نتائجها، ويبدأ البلد بعدها مرحلة وحياة جديدة من اجل التباحث والتفاهم بين اصحاب البرامج والاهداف القريبة من بعضها، وبعدها ايضاً بمدة لا تتجاوزبضع اسابيع يتم تشكيل الحكومة ويتطلع الناس الى الامام والمستقبل مع النواب الذين انتخبوهم والحكومة التي تدير بلادهم في ظل ادوار متفق عليها ومقبولة، وهي تبادل الادوار والمواقع من غير اصرار وتشبث بالموقع او المنصب.
كل هذه الامور تجري في ارقى الدول ديمقراطية مثل سويسرا وفي اسوئها ظروفاً وامناً واقتصاداً مثل الصومال وجنوب السودان ...الا العراق فهو دائماً خارج مسيرة الزمن ولا يسير ضمن دائرة الحياة الاعتيادية، فحتى تجري الانتخابات الف والف دعاء ورجاء ان يتم الاتفاق عليها، ثم الف رجاء ان يتم تحديدها، وخلال الفترة التي تسبق اجرائها في مرحلة (الدعاية الانتخابية) الايادي على القلوب كما يقال في العامية والامل والرجاء في النفوس ان تجري ولا يحدث ما يحمد عقباه خوفاً من متهور مستهتر او طائش يتصرف تصرفاً ما فيتثير النفوس وتخرج عن طبيعتها الى العنف والغاء الآخر والرد المقابل وتخريب الساحة بما فيها وبمن عليها!
يكاد يصل الحال ان يقوم المرء بوضع يديه عى رأسه حائراً وفزعاً ممما يدور ويجري وموجات العداء التي تغذيها شحنات الكراهية المتبادلة بين بعض او الكثير من القوائم والاحزاب والمكونات العرقية والطائفية في المجتمع العراقي والتي تصل احياناً الى معدلات قياسية في بعض مباريات كرة القدم بين فرق متواضعة في مستواها ولاعبيها، ولا تملك الا غريزة حب الذات وتضخيمها والتي تدفع مشجعي فرق اقضية ونواحي مغمورة غير معروفة الا في منطقتها الى احداث الشغب والعراك والعدائية وتخوين المقابل من اجل هدف ربما لا يستحقه كلا الفريقين.
لقد شبهنا الانتخابات بمباريات كرة القدم، لاننا مع الاسف نبالغ في عواطفنا وتقييمنا وتقديرنا للكثير من الامور والاشياء بحيث تسيطر العاطفة والتحيز حتى بعد انتهاء المباراة او الانتخابات، فقد جرت الانتخابات في العراق في 30 نيسان، وهي ثالث انتخابات تجري بعد سقوط النظام السابق ، وأول انتخابات بعد انسحاب القوات الأميركية، الا انها بدلاً من تكون جسراً وطريقاً لنظام جديد يحترم خيارات العراقيين التي ضحوا كثيراً من اجل الوصول الى هذا اليوم ، مع الاسف تحولت هذه المباراة، عفواً الانتخابات الى ازمة وخندق كبير يباعد ويشاقق بين العراقيين الذين هم اساساً أهل خلاف وشقاق.
فقد نسى الناس ما يريدون ربما لعدم ثقتهم بالوضع كله ونست الاحزاب والقوائم برامجها ومشاريعها ويتم الحدث عن هدف واحد موحد وهو عدم التمديد لرئيس الوزراء الحالي ، وتكاد كل القوى في العراق عدا (ائتلاف دولة القانون) متوافقة متفقة على وجوب احداث تغيير ديمقراطي في العراق يمنع ظهور دكتاتورية جديدة متمثلة في شخص او حزب يصادر ارادة الناس ويصر منفردا بعناد احمق على تكرار الفشل وتحدي مشاعر كل العراقيين بفرض وجوه وشخصيات فاشلة متجذرة في الفشل.
نتائج الانتخابات لم تعلن بعد وربما سيتأخر اعلانها الى ان يتم ترتيب فوزانتخابي للمالكي من اجل فرض حكومة الامر الواقع او ما يسمونها حكومة الاغلبية واستنساخ شكل وتصرفات حكومة دكتاتورية عسكرية استبدادية جديدة في العراق وهو امر غير مقبول من جماهير وقطاعات عريضة اهمها الكورد والعرب السنة والشيعة العلمانيون والديمقراطيون بشكل عام، الا ان الصورة بكافة ابعادها تشير الى الى وضع صعب واختيار اصعب سيتم وضع العراق فيه ويتم تكرار ذات المقولات التي عشنا على صخيبها عقودا من السنوات عندما كان يقال: لا يوجد بديل لصدام حسين واليوم ايضاً يتم انتاج طاغية و حاكم جديد بحجة عدم وجود بديل للمالكي.
ما زالت المباراة مستمرة رغم انتهاء وقتها الاصلي والاضافي ولابد ان يفهم اللاعبون انه آن الاوان للكثير منهم ان يغادروا الساحة مختارين او مجبرين، وعلى القضاء العراقي ان يصحو ويلغي قراراته سيئة الصيت المخالفة لروح ومضمون الدستور العراقي مثل قرارات ( تكليف الكتلة الاكبر وجواز تمديد الولاية الثالثة والحاق الهيئات المستقلة بمجلس الوزراء والغاء الدور التشريعي لمجلس النواب وحصر اقتراح القوانين من قبل مجلس الوزراء) وهي وغيرها من القرارات مهدت وعبدت الطريق للدكتاتورية الجديدة والليل الاسود الجديد في العراق، وعلى الجميع ان يتذكروا انها لو دامت لغيركم ما وصلت اليكم!!
القاضي
عبدالستار رمضان
نائب المدعي العام
اقليم كوردستان العراق
مقالات اخرى للكاتب