على إحدى الفضائيات أطلّ علينا “شيخ “ بعقاله وكوفيته الحمراء ليتحفنا بتصريحات كأنها اللؤلؤ المنثور من بين شفتيه . وضع النقاط على الحروف وحسم الجدل الدائر من أسابيع عمن يسيطر على الموصل . “رفاقه” كانوا من قبل ينفون وجود شي إسمه داعش. كانوا يقولون ان الاسم مجرد إختراع من المالكي ليبرر قصف مدنهم . لكن خطيبنا المفوّه الذي كان قد جاء للتو من إجتماع عمان البعثي العشائري إعترف بان داعش موجودة وان فصائل النشامى البعثيين وغيرهم ممن يرفعون السلاح بوجة الحكومة هي مكملة لداعش ومؤيدة لها . عندما سألته المذيعة التي إستفزها كلامه ، عن سبب دعم هؤلاء لداعش وهي تحتل أرضهم أجاب بكل ثقة :” الدولة الاسلامية جزء منّا ونحن لم نر منها أي فعل يجعلنا نتقاطع معها “.
عندما كان “إبن العشائر” هذا يتفوّه بهذا الكلام ، كان عناصر داعش أو “ثوار العشائر” كما تسميهم الحاضنة السياسية للارهاب ، مشغولين بتسليب مئات العوائل العراقية المسيحية الفارة من الموصل بعد إنذار تلقوه من أصحاب الروائح النتنة المتجمعين من مزابل الشيشان والخليج وباقي البلدان . هذا الفعل ،برأي هذاالمتحدث لا بأس فيه ولا يمكن ان يجعل “ثوار العشائر” يتقاطعون مع داعش .
وبينما كان المتحدث يشيد بحسنات داعش ، هذا التنظيم الارهابي ، كانت أجساد مئات التركمان والعرب الشيعة الذين ذبحوا على يد عناصره ، تتفسخ وهي ملقاة في العراء قرب كركوك والموصل .هذا الفعل لا يرى فيه “ الثوار “ بأسا ، ولا يدعوهم الى الاختلاف مع هذه العصابة .
أن يسيطر الداعشيون على مدن عراقية ويعبثون بشرف اهلها ويفرضون أحكاما تخجل منها حتى مجتمعات الجاهلية ، يفرضون على أخوات وبنات وجيران هذا المتحدث ممارسة الرذيلة باسم جهاد النكاح ، ويقتلون من لا يبايع خليفتهم ، فهذا أمر طيب بالنسبة لـ”الغيارى” ولا يستدعي الاختلاف معهم. ولا أدري ما معنى الغيرة والشرف عند هؤلاء.
مئات الممارسات الخسيسة مما ينتهك الشرف والعرض والاخلاق والدين وقيم العشائر ، من يقوم بها ؟. إذا أخذنا بالراي القائل ان داعش مجرد وهم صنعته الحكومة وإن “ثوار العشائر” هم من يسيطر على الموصل وصلاح الدين ومناطق اخرى ، فان هذا سيعني أن هذه الجرائم البشعة هي من فعل هؤلاء وليس غيرهم ، وهنا سنكون بانتظار موقف حازم من العشائر بشأنها. أما أن تكون داعش هي التي تقوم بالقتل والتسليب والتهجير والاغتصاب ومع هذا لا يرى فيها “ثوار“ إجتماع عمان المدعوم أميركيا وأردنيا ما يدعو الى التقاطع مع الفاعل بل يرون داعش جزء من “المقاومة” ، فهذا يعني ان “العشائر “ وثوارها راضون عن هذه الجرائم وبالتالي هم شركاء فيها .
هنا سنكون أمام صورة واضحة لما يكون عليه مستقبل العراق الذي يطمح الظلاميون الى السيطرة عليه والاطاحة بالنظام السياسي فيه . حلم هو كحلم إبليس بدخول الجنة .
يقول المتحدث “الفضائي” القادم من أربيل الى عمان :”سنواصل الزحف الى بغداد كي نطيح بالعملية السياسية ونعيد العراق الى الحظيرة العربية ..”، وكأنه يقول ان “الحظيرة العربية” لا تضم الا الانظمة الظلامية والدكتاتورية .
لقد نسي هذا المهووس ان كلامه هذا سيغضب مضيفيه في اربيل ،لانهم هم الذين أصروا، عند كتابة الدستور، على عدم وصف العراق بـ “العربي” وإستعاضوا عن ذلك بعبارة “عضو مؤسس في الجامعة العربية” .
مقالات اخرى للكاتب