قيل قديما أن البدايات تقودنا إلى النهايات ، وفي حالتنا هذه أقول ان النهايات كشفت لنا البدايات ، وما يجري هذه الأيام دليل صدق على ذلك ، أي أن النظام الرسمي العربي بما إنتهى إليه ، من سوء حال لا يطاق ، إنما كان يؤسس لهذه النتيجة منذ تباشير الفكرة الصهيونية وقبل إقامة مستدمرة إسرائيل .
وبناء عليه أقول دون خوف أو وجل ، أن النظام الرسمي العربي شريك إستراتيجي في المشروع الصهيوني ، وهو الذي حمى ومول الوجود الصهيوني في فلسطين، ونحن لغبائنا كنا نظن أن مستدمرة إسرائيل مشروع غربي خالص ، لكن مجريات الأمور والنهايات ، أثبتت أن الغرب أسهم بهذا المشروع للتخلص من يهود فقط وليس حبا فيهم أو كراهية لنا، أما نحن فكان إسهامنا لتثبيتهم في فلسطين ، وبيع فلسطين لهم .
لا يعقل أن أمة إسلامية يفوق عددها المليار ونصف المليار مسلم ، وقد أعد الله للمجاهدين أجرا كبيرا ، وأمة عربية يفوق تعدادها 300 مليون عربي وتدعي النخوة والشرف ، ذاقوا من الذل والهوان ما لا يوصف ، ومع ذلك عجز العرب والمسلمون عن تحرير فلسطين ومساحتها 27 ألف كيلو متر مربع ، في حين أن بأسهم بينهم شديد ، ولو قلبنا صفحات التاريخ لوجدنا الحروب العربية – العربية تعلن عن نفسها ، في حين أننا سمعنا من يقول أنه لا يريد محاربة إسرائيل خوفا على شعبه وجيشه ، بيد أنه وأعني بذلك السادات شن حربين الأولى على ليبيا لتأديب "الود المجنون" وعلى السودان من أجل حلايب ، كما أن مبارك شارك في حفر الباطن ضد العراق ، ناهيك عن مشاركة حافظ"..."في حلف حفر الباطن وإحتلاله لبنان عام 1976 تحت شعار المبادرة العربية.
كنا وما نزال نسمع من النظام الرسمي العربي أن الشعب الفلسطيني باع أرضه ليهود، وكل هذه الشائعات كانت لتبرير ما كنا نظنه تقصيرا لدى الأنظمة العربية القوية ، مع أننا إكتشفنا لا حقا أن ذلك لم يكن تقصيرا بل كان إسهاما في المؤامرة الخبيثة ضد الشعب الفلسطيني، وعندما ثار الشعب الفلسطيني على الطغيان وقررت الثورة "حرق كروت التموين " وتحرير فلسطين ، وجدنا النظام الرسمي العربي يشكل حزاما ناريا حول مستدمرة إسرائيل ليمنع دخول الفلسطينيين ، ومع ذلك قدم الشعب الفلسطيني خيرة أبنائه دفاعا عن ثورته وأرضه المسلوبة ، وتعبيدا لطريق التحرير بدمائه وجماجم شهدائه ، لكن النظام الرسمي العربي المختلف مع نفسه ظاهريا إتحد وقضى على الثورة الفلسطينية ، وكان رأس الحربة رئيس النظام السوري العميل حافظ"...." عام 1982 ، الذي لم يحرك ساكنا بعد القضاء على الثورة الفسطينية وإحتلال شارون لعاصمة عربية ، كان هو نفسه يحتلها قبل الغزو الصهيوني .
من هنا نبدأ ، وقد بدأ النظام العربي يرقص فوق الطاولة علانية مع مستدمرة إسرائيل بعد إخراج المحروسة مصر من ساحة الصراع بتكبيلها بمعاهدة كامب ديفيد ، بعد حرب النصر الهزيمة عام 1973 ، التي أخرجها وزير خارجية أمريكا الأسبق "العزيز"هنري كيسنجر ، الذي تمتع برقص سهير زكي ، ونفذها أنور السادات أبو زبيبة لإخراج مصر من ساحة الصراع تحقيقا لحقد يهودي قديم على المحروسة مصر .
وتبع ذلك بطبيعة الحال إخراج العراق أيضا من ساحة الصراع ، بتوريطه أولا مع إيران في حرب إستمرت ثماني سنوات وأكلت الأخضر قبل اليابس ، ومن ثم توريطه بالدخول إلى الكويت ، بعد تأزيم الموقف العراقي – الكويتي إستكمالا للخطة الجهنمية الموضوعة سلفا ، وها نحن نشهد قيام طاغية دمشق بتدمير سوريا ، لذات الهدف الذي سنراه قريبا يتحقق بإقامة كيان علوي منفصل يرتبط بعلاقات وثيقة مع مستدمرة إسرائيل الخزرية ، وها هم يضغطون لإخراج العربية السعودية من الصراع من خلال الضغط عليها لتطبيع علاقاتها مع مستدمرة إسرائيل ، نتيجة الخوف من تداعيات الإتفاق النووي الإيراني على السعودية وعلى منطقة الخليج العربي.
لقد إستنفذ النظام الرسمي العربي كل طاقاتنا بعيدا عن فلسطين لتحقيق أهدافه ، ولذلك فإن كل محطة من المحطات السياسية ، بدءا من الحديث عن المشروع الصهيوني أواخر القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا كانت ذات صلة بذلك ، وفي المقدمة موضوع تهجير العرب اليهود من البلدان العربية بعدة طرق ، نستطيع إجمال النتيجة بأن النظام الرسمي العربي قام ببيع هؤلاء اليهود للحركة الصهيوينة ، وأوكلت مهمة التنفيذ للموساد الإسرائيلي كي يحرق ويفجر هنا وهناك ، ليقول للعرب اليهود أن مكانكم الآمن الوحيد هو مستدمرة إسرائيل ، كما يقال لليهود في الغرب هذه الأيام من خلال الإرهاب المنسوب لداعش ، مع أنه في حقيقة الأمر من فعل الموساد ولا يهم من نفذ ، بل المهم من خطط.
بدأت اللعبة مع السعودية بعد تفجيرات البرجين في نيويورك في الحادي عشر من شهر سبتمبر عام 2001 ، ونفذها بطبيعة الحال الموساد الإسرائيلي بالتحالف مع اليمين الأمريكي ، وكانت المفاجأة الغبية غير المحسوبة ، أن زعيم تنظيم القاعدة التي أسستها السي آي إيه الشيخ أسامة بن لادن ، أعلن مباركته لتانك "الغزوتين" وبالتالي ثبّت شرعا أن المسلمين هم الذين نفذوها.
جاء الأمريكان إلى السعودية وطلبوا طلبا لم يكن متوقعا ، وهو أن يشد السعوديون الرحال إلى القدس للقاء الإسرائيليين والتوقيع على مصالحة وفتح السفارات والقناصل ، وأن يقابل الإسرائيليون هذه الخطوة بخطوة مقابلة ، وكل ذلك يكون علنا ومتلفزا ، لكن القيادة السعودية رفضت الفكرة بحجة ان الشعب السعودي لن يتحملها ولن يقبل بها ، فدفعت السعودية الثمن بالتفجيرات الإرهابية التي نسبت للقاعدة .
ظلت السعودية هي الهدف ، ورأينا مناورات تمثلت بالمبادرة العربية للسلام التي إنطلقت من درج مكتب العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز ، وعرض فيها على مستدمرة إسرائيل التطبيع العربي الإسلامي الشامل معها ، ولشرعنتها فقد أقرتها قمة بيروت العربية عام 2002 ، لكن شارون ضربها بعرض الحائط ورد عليها بأن أعاد إحتلال العديد من المدن الفلسطينية ، وحاصر القيادة الفلسطينية وإنتهى به المطاف إلى قتل الرئيس الفلسطيني الراحل بالسم ياسر عرفات بالتعاون مع أطراف في السلطة الفلسطينية .
جاء فرع خدمات المخابرات الإسرائيلية السرية الملقب ب"داعش" ، وفعل فعلته في الوطن العربي ، ونفذ عمليات في السعودية ، وكان ذلك دفعا قويا وخاصة بعد توقيع إيران لإتفاقها النووي مع الغرب الأوروبي وأمريكا ، لإلقاء الحبل حول العنق السعودية وإجبارها على إعلان علاقتها مع مستدمرة إسرائيل من خلال التوقيع على إتفاق مصالحة تارخي معها ، ليكون أعداؤنا قد أكملوا دائرة السوء علينا .
هذا ما جناه علينا النظام الرسمي العربي ، ومطلوب منا جميعا إعادة تقيلب الملفات المتعلقه به وبطريقة حكمه ، وكيف ان الصهيوينة أسست ممالك ودولا للبعض ، وحسمت صراعات محلية وإقليمية ، وثبتت البعض حاكما مع انه في حقيقة الأمر مغتصب للحكم ، وعلينا أيضا مراجعة سجل الأنساب لأقطاب النظام الرسمي العربي والرجوع للإسم الأول ، ومقارنته بالإسم الجديد بعد حذف بعض األحرف الدالة على طبيعة الإسم .
بقي القول أن ما حدث في منطقتنا العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر ، وما يزال يحدث من مآس كبيرة ، لم يكن صدفة بل كان مخطط له بإحكام ، وها نحن كشعوب عربية ندفع الثمن ونظهر أمام شعوب العالم بأننا قوم لا نستحق الحياة.
مقالات اخرى للكاتب