كنت التقي مع اهلي تقريبا كل عامين اما في الأردن او الامارات العربية خلال حكم الطاغية صدام حسين . و كنت التقي بالوالدة والاخوان اما في فندق في الأردن او في دار اخي في الامارات العربية المتحدة . وفي السنة ما قبل السقوط التقيت بالأهل في الامارات العربية , في شقة اخي وقد لاحظت بنت اخي البالغة من العمر سبع او ثمان سنوات تكرر كلمة " عمو صدام " في كل حديث سياسي يدور بيني وبين اخي يطرح فيه اسم صدام حسين . وعند الاستفسار من اخي عن أسباب تكرر كلمة "عمو صدام " على لسان ابنته , ذكر لي انها تعلمت هذه العبارة في العراق عندما كانت في المدرسة وانه تركها تداول هذه الكلمة ولم يمنعها من تركها خوفا من ان تخبر الطفلة معلمتها عن والدها والذي سيكون مصيره اما قطع السان او ارساله الى غيابات السجون .
هذا اول انجاز , قام به "قائد الضرورة " في العراق و العالم , اب محترم يخاف على حياته ومستقبل عائلته من التحدث في السياسة امام ابنته البالغة من العمر سبعة او ثمانية أعوام . لقد وصل الحال ان يخاف الزوج من زوجته والاخ من أخيه والجار من جاره في زمن حزب البعث. لقد كان يكفي لمستأجر البيت ان يبقى في بيته وبدون حتى دفع بدل ايجار الى الابد وذلك عن طريق اتهام صاحب البيت بانه من حزب الدعوة او من المعارضين لصدام. وهذا انجاز عراقي و عالمي اخر , حيث لا يوجد بلد في العالم انحدر بعض سكانه الى هذه السفالة فيتهم مواطن من اجل استغلاله , وما على المواطن الا الرضوخ لرغبة الظالم خوفا من الأجهزة الأمنية .
الاثار الاجتماعية الكارثية التي خلفها نظام صدام حسين على المجتمع العراقي ربما تحتاج الى مجلدات وستكون مصدر مهم لكتابة الاطروحات الاكاديمية لسنين طويلة , إضافة الى الحالة الاقتصادية التي تركها النظام خلفه بعد التغيير عام 2003. وبالمناسبة استلم تليفوني من موقع الفيس بوك (ثقافة بدون حدود) مقالة على شكل شعر عن إنجازات صدام حسين الكارثية احب ان أشارك القراء فيها:
في عهد صدام
في عهد صدام أصبح شط العرب لإيران.
في عهد صدام اخذت الكويت جزيرة بوبيان.
في عهد صدام دمرت إسرائيل البرنامج النووي ولم يرد صدام على بني صهيان.
في عهد صدام بنت تركيا السدود وجف دجلة و الفرات على يد أولاد عثمان.
في عهد صدام استخدم السلاح الكيمياوي ضد شعب كردستان.
في عهد صدام مات الاف من الجوع والحرمان .
في عهد صدام اصبحنا مديونين 400 مليار و الدينا يقاس بالأطنان.
في عهد صدام تأسس التطرف الديني بعد حملة الايمان.
في عهد صدام انتهت الوحدة العربية ودمرت الكويت واختلف العربان.
في عهد صدام اعدم الأطفال والنساء والشيوخ ومراجع الأديان.
في عهد صدام راتب الموظف 3000 دينار وخيرات العراق لقصي وعدي و برزان.
في عهد صدام جفت الاهوار و هاجرت الطيور و حتى الغربان.
في عهد صدام هاجرت الكفاءات والعقول وأصبحوا بلا اوطان.
في عهد صدام هدمت الاثار والمقدسات وبنيت قصور الطغيان.
في عهد صدام احتل العراق من قبل الامريكان وانتهت الحكاية وانهالت الويلات على اولاد عدنان وقحطان.
انتهى
من عايش مرحلة النظام السابق ومن يحمل ذرة من الغيرة والشرف والخوف من الله سوف لن ينكر او يتجاهل او يكذب كلمة واحدة بما جاء في الشعر أعلاه. ومن لا يحب الشعر والسجع , وبما اني احمل شهادة جامعية عليا من "سوق مريدي " والتي تعلمت منها دروس الاقتصاد والتي اعتبرها اشرف واقدس واكثر وطنية من المواقع الإعلامية المعادية للتغيير , فسوف اعدد ادناه بعض هذه الكوارث الاقتصادية التي ورثها العراقيون من نظام صدام حسين :
أولا: عند استلام صدام حسين السلطة كان سعر الدينار العراقي حوالي 2.83 دولار , ولكن سعر الدينار قبل رحيله تدحرج ليكون اقل من سنت واحد أي كل دولار يعاد حوالي 3000 دينار وفي بعض الأحيان 5000 دينار.
ثانيا , استلم صدام حسين العراق وفي خزينته حوالى 43 مليار دولار , وعند هروبه كانت اخر 1.5 مليار دولار قد نهبها ابنه قصي وترك العراق مدين بمبلغ 120 مليار دولار.
ثالثا , استلم صدام حسين السلطة العراقية وكانت نسبة التضخم المالي لا تتجاوز 4% ولكن ترك العراق وكانت نسبة التضخم المالي هي 24000% . لتقريب المعنى للقارئ الكريم ان والدي رحمه الله قد اشترى دارا من ثلاث غرف بني حديثا في مدينة الجلبي (الحرية حاليا) في الكاظمية بمبلغ 920 دينار عام 1973 , في عام 2003 ,1000 دينار كانت لا تكفي لشراء علبة سكائر .
رابعا , كان دخل المواطن العراقي الفردي حوالى 1200 دينار سنويا عام 1979 , وهو دخل يعتبر متوسط مقارنة مع دخل المواطن من الدول المجاورة والبعيدة , هذا الدخل وصل الى ما يقارب 200 دولار سنويا قبل التغيير , وهو مبلغ اقل من دخل فلاح هندي في ذلك العام . يكفي القول ان راتب الموظف وصل الى ثلاثة الاف دينار شهريا كافي فقط لشراء طبقة بيض وعشرة ارغفة من الخبز بكامل راتبه الشهري.
خامسا , وصول عدد العاطلين عن العمل ما يقارب 70% من القوة العاملة , مما اضطر الكثير من الكفاءات بالهروب من العراق واصبح للعراقيين مراكز مهمة في أوربا والولايات المتحدة الامريكية . اما الفقراء فكانت وجهتهم الأردن وسوريا. في الأردن شاهدت نسائنا تبيع السكائر في شوارع الأردن وشباب يشتغلون مهنة الحمالة في أسواق الخضرة.
سادسا , العوز الاقتصادي أدى الى أصحاب الدور ببيع شبابيك وابواب غرف دورهم الداخلية وبيع الأثاث والمفروشات من اجل تامين الطعام الى أولادهم . لقد أخبرني أحد معارفي من مدينة الفلوجة انه كان يشارك اخوانه الثلاث في اكل بيضة واحدة في الإفطار!
سابعا , لقد بلغ تسرب الطلاب عن مدارسهم ما يقارب 80% , بعض مدارس قد غلقت بسبب عدم رفض الطلاب الذهاب الى مدارسهم . لقد أصبح الأطفال في زمن الطاغية مصدر من مصادر العيش لعوائلهم.
هذا ما علمتني به جامعة " سوق مريدي" فهل من شخص يخاف الله ينكر او يكذب ما ذكرته؟ ام يبقى الببغاوات البشرية يرددون "عمو صدام ".
مقالات اخرى للكاتب