لعلّي اغدو اوّلَ امرءٍ , ولربّما آخر امرءٍ ايضاً يكتبُ بطرافة عن " السيطرات " ودون ان يعني ذلك انّ انّ طرافةً ما تقدّمها هذه السيطرات اللائي تتحكّم " عن بُعد وعن كثب " بالأعصابِ والأحاسيس , وتصيبها بالتوتَر الحاد اينما وحيثما كانت الناس : الطريف " سلبا " والغريب بأشدّ درجات الغرابة أنّ اعداداً من " السيطرات " المنتشره في بغداد تحمل على جوانبها وعلى سقوفها دعايةً تجاريةً لسجائر " غلواز " وسجائر " جيتان " الفرنسية .! , وهنا لابدّ ان تنتاب المرء مسحةٌ من الحيرة عمّا وراء ذلك .! واظنُّ > وبعضُ الظنَّ ليسَ إثماً ايضاً < لو انّ صحفيّاً اجنبيا - غامر بحياته وزار العراق في ايام التفجيرات هذه - ورأى هذه الدعاية التجارية للسجائر الفرنسية منصوبةً وبشكلٍ بارز على نقاط السيطرة " كلاهما العائدة للجيش وللشرطة " فلربما خطرَ في باله كأقرب تحليلٍ وتفسير لذلك , هو انّ غزلاً عسكرياً " ربما تقوم به وزارة الدفاع العراقية مع القوات المسلحة الفرنسية .!" قد يكون وراءه ترغيباتٌ معيّنه لشراء وعقد صفقة اسلحة فرنسية ! , ولربما ايضا تُخالجُ الصحفي المفترض تصوّراتٌ ما بأنّ الحكومة العراقية تقومُ بإغاظة الأمريكان والروس في محاولةٍ لزرعِ ظنونٍ عندهم لإقتناء السلاح من فرنسا هذه المرّة , عسى ان تقوم هاتين الدولتين العظمتين بتخفيض اسعار اسلحتها للعراق او الإسراع في توريدها " وكلّ ذلك يدخل من احدى البوّابات الخلفية لفنّ الإعلام العراقي " . وبرغم أنّ هذه الأفتراضات ليست سوى ضربٌ بعنف لأسداسٍ بأخماس , لكني اجزم انَ ذلك لا يُصار وليس هنالك من إرتقاءٍ لهذا المستوى من التفكير .. المعنى الوحيد لِ " الغلواز و الجيتان " الموضوعة والمنصوبة على نقاط التفتيش هو جهلٌ مُدقع , وهو غير لائقٍ بمؤسسةٍ عسكرية لأن تجعل من " سيطراتها " لوحة اعلاناتٍ لسجائرٍ من صنع دولةٍ اجنبيةٍ واحده فقط .! كما انّ لو كان لابدّ من ذلك فعلى الأقل ان تكون ترويجاً لمنتوجٍ وطنيٍ مفيدٍ وغير ضار بالصحّه ... ويا سادتي إنّ الحديثَ الطريف - المثير للسخرية والتندّر - عن " السيطرات " لا يقتصر على ما وردَ في اعلاه فالآتي اعظم .!!! إذ في جانب الكرخ من بغداد , وقرب تقاطع شارع المأمون المتّصل بشارع 14 رمضان ' هنالك " سيطرة " مكتوبٌ عليها " سيطرة البكر " , وهذه التسمية جاءت اصلاً لوجود نصب او تمثال لأول رئيس جمهورية - احمد حسن البكر - بعد عام 1968 حين جاء حزب البعث للسلطة , وقد بقي هذا النصب في مكانه الى ما بعد الإحتلال وبعد تشكيل اوّل حكومة عراقية آنذاك ولعدّة شهور حتى جرى رفع التمثال من مكانه او هدمه , ولكن ماذا يمكن استنتاجه من عدم انتباه الحكومة العراقية ووزارة دفاعها في تسمية هذه السيطرة بهذا الأسم .؟! والى ذلك , وعطفا على ذلك ايضا , والحديث ذو صلةٍ بهذه النقطةِ بالذات , فقد ذكرنا في الأسطر القليلة الماضية أنّ " سيطرة البكر " تقع قرب تقاطع شارع المأمون مع شارع 14 رمضان " , إنّما ولكنّما عبارة " 14 رمضان " تعني التسمية المرادفه والموازية لأنقلاب " 8 شباط 1963 " لحزب البعث والتي يكون تزامنها في التأريخ الهجري مع الثامن من شباط , لكنّ السادة الساده والقادة الذين تعاقبوا على الحكم عبر ثلاثِ حكوماتٍ بعد الإحتلال لمْ يدرك ايٌّ منهم ولمْ ينتبه لذلك حتى اليوم , وما اشارتنا لكلّ هذا إلا ليتّضح جليّاً كم انّ رجالات الحكم في العراق " والذين عاشوا في ايران واوربا لنحو ربعِ قرنٍ من الزمن او اكثر " , كم يفتقد هؤلاء ايَّ دراية بشؤون العراق , ولا ادري كيف يحكمون العراق , ولعلّ ما يشهده العراق الآن هو الإجابة الشافية والصافية لكلّ ذلك ...
مقالات اخرى للكاتب