بعد عام 2003 ظن الشعب العراقي أن حقبة مظلمة أنتهت, وحان الوقت لطي صفحة الموت الجماعي, والحروب والفقر والطبقية, والأستغلال وأعتلاء أكتاف الفقراء وسلب حقوقهم, وأنصاف أبناء الجنوب, وأنتشالهم من آفة الحرمان والعوز, وأعادة كرامة العراقي التي أمتهنت, الا أن تلك الأحلام تبددت سريعا, بعد أن وصل دعاة الديمقراطية والخدمة الجهادية الجدد الى سدة الحكم!
تحول المطالبون بحقوق أبناء الجنوب الى حكام, تحصنوا خلف أسوار المنطقة وسرعان ما دخلوا اللعبة من أكبر أبوابها.
بدأ فصل موت آخر, يطرق أبوابنا كل يوم, فمقابرنا ما زالت جماعية, الا أن هذه المرة لم نعثر على بقايا الأحبة تحت التراب, بل ربما نجد بقايا هوية, أو قطعة ملابس, كانت أخر الشهود على أنفجار بسيارة مفخخة, أو عبوة ناسفة, تعصف بأرواح الفقراء, ممن يقفون في طابور العمالة, أو في سوق شعبي بحثا عن لقمة العيش.
لم يعلم الشعب العراقي أنه سلعة مدفوعة الثمن ( مبيوع بالجملة), لمن دفع الثمن مسبقاً من الدول الكبرى, وأن هناك أتفاقية لتقليص عدد سكانه, فالصفقة تتضمن أن يفتح الخونة أبواب الموت أمام الشعب العراقي, مقابل أن يتحكم شركاء الخراب بدفة السلطة, ويعتلي الطغاة الجدد أكتاف الشعب, تلك هي الصفقة برمتها.
خلف أسوار الخضراء شعب مرفه, حتى أن كلابهم, أجلكم الخالق محاطة بالحماية وأجهزة التكييف, بينما تتمتع الحاشية بكل الأمتيازات, من تعيينات وواسطات, وسلطة فكل ناهب أو وزير مزور, أو رئيس وزراء بالصدفة صار له شعب مصغر مترف.
عدي صدام حسين أستنتخ الى ألف نسخة, وصار أبناء المسؤولين يتنقلون بين كندا وأنكلترا, والنمسا والسويد ولبنان ودبي, بينما أحتلت نساء الحرامية الجدد المرتبة الأولى في أقتناء فساتين السهرة, من ارقى المصممين في العالم, وأزدحمت عيادات أطباء التجميل بنساء الطبقة التي تسعى لأن تكون مخملية, بينما أحتل أزواجهن الموقرين قائمة أثرى أثرياء العالم!
من ناحية أخرى أحتل العراق الصدار في قائمة أسوء مكان للعيش, بينما أحتلت بغداد مرتبة أسوأ عاصمة, ونالت بلاد الرافدين مرتبة البلد الأول في الفساد الأداري.
ما زال العراقي شهيدا على السواتر, ومهاجرا في أصقاع المعمورة, وما زال الخريج عاطلا عن العمل, وأبن الجنوب الذي دخلوا البلاد وهم يرفعون شعارات الدفاع عنه يبحث عن لقمة لعيش, مازالت مدارس الطين تملأ المدن, ومازالت الأمية تسخر من اول رقم طيني, عثر عليه في بلاد ما بين النهرين, ومازال العراق ينزف شبابا على سواتر الكرامة, بينما يتسكع أبناء الحرامية في الخارج, أهذا ما أردتموه لأنفسكم يا شعب العراق؟ نسخة أخرى من صدام حسين؟
مقالات اخرى للكاتب