هل سمعتم بـ( عامل المسطرة) ..أنه ذلك العامل الذي يقف صباحا عند (مسطرة العمال) باحثا عن رب عمل يستأجره لذلك اليوم فأذا حظي بذلك وجد قوت يومه و رزق عياله و أن لم يحالفه الحظ بذلك ( بات على الطوى)..
حال الدولة العراقية اليوم شبيه بحال ( عامل المسطرة) هذا..فهي دولة ( تعيش ليومها) وهي أمة ( خارج عصرها) لأنها بعيدة عن محاور هذا العصر و تحدياته و مسائله و قضاياه.
نحن دولة بلا ( جدول أعمال مدني) ..لا رؤية للمستقبل..ولا أهداف عامة تتعلق بالرفاه و بناء الإنسان ..ولا طموحات وطنية تشد المواطنين و تلهب حماسهم..دولة تشغلها هموم يومها عن كل ما سواها و تترك أمر المستقبل للأقدار..
كل الأمم الحية و المتحضرة لديها ( جداول أعمال مدنية)..الصين..الهند..اليابان..أوروبا الموحدة..المانيا..فرنسا..الولايات المتحدة و غيرها الكثير..و هناك سباق دولي محتدم على القمة يدور حول الإقتصاد و التكنولوجيا و التعليم المتقدم و الإدارة الحديثة و ما سواها من محاور التنافس الدولي ..حتى الدول الإقليمية المجاورة لديها (جداول أعمال مدنية)..إيران لديها جدول أعمال يقوم على الولوج للعصر الحديث من خلال تطوير القدرة النووية و الإنضمام للنادي النووي..و هذا الجدول مرتبط بطموحات ( الأمة الإيرانية) ولا علاقة له بالايديولوجيات لا من قريب ولا من بعيد..و دور الايديولوجيات هنا أن تكون ( خادما ) لهذا الطموح الوطني..تركيا لديها ( جدول أعمال مدني) محدد يقوم على تحقيق أرفع مستويات التنمية الإقتصادية لكي تصبح عملاقا إقتصاديا و ملخص الإستراتيجية التركية( توظيف نجاحات السياسة لصالح الاقتصاد و توظيف نجاحات الاقتصاد لصالح السياسة) و لحد الآن يبدو أن هذه الإستراتيجية تحقق نجاحا كبيرا..و هنا الأمر أيضا يدور حول طموحات و أمال ( الأمة التركية).
أستطيع الإدعاء بأن ( جدول أعمال مدني) في العراق بأمكانه أن يصنع المعجزات ..و يحقق أكبر قدر من الإنسجام الإجتماعي..يشد الانظار بعيدا عن الايديولوجيات المتشددة في هذا المعسكر أو ذاك..يسكن الجروح و يلطف المشاعر و يسحب الاهتمام بعيدا عن (ثقافة المكونات) و (حساسياتها )..جدول الأعمال الوطني هذا سيضفي مسحة من الواقعية و البراجماتية على تفكير الأفراد و المجتمع و يجعلهم يتعلقون بأهداف واقعية ولا يبقون أسارى للثقافات المتخلفة..
( جدول أعمال مدني ) سداه و لحمته الإقتصاد و رفاه المواطن بأمكانه أن يعيد ترتيب الأوراق في الساحة العراقية و ينعش ( الطموح الوطني) في بلادنا مجددا و مع كل نجاح يتحقق سيتزايد ( الإحتشاد) حول هذا البرنامج الوطني و ستفقد السياسات المتشددة و ( ثقافة المكونات) بريقها.
هل بأمكان العراق و في ظل مجمل ظروفه السياسية و الإجتماعية أن ( يبلور)..( جدول أعمال مدني)محدد..؟؟
لا يبدو الأمر سهلا مطلقا..و لكنه ليس مستحيلا كذلك..و براعة (السياسي) و (القائد) هنا مطلوبة بألحاح..و في غياب (جدول أعمال ) كهذا ستبقى (الفوضى) سيدة الموقف و سيبقى (عامل المسطرة) يبحث عن (قوت عياله) يوميا..سنظل ندور في (دائرة الأزمات) و تعبث بنا (الإرادات الخارجية ) التي تملك( جداول أعمال وطنية محددة) و التي تبحث عن ساسة عراقيين يخدمون تلك الجداول على الأرض العراقية ..!!
مقالات اخرى للكاتب