تصور ان في بيتكم طفلة ذا خمس سنوات تملا المكان بودها وتزاحمك أغراضها وتلتصق بك أينما تذهب كقطة أليفة تمسح عنك تعب النهار وتطرد عنك هموم البؤس الذي يحيط بالعراق من كل حدب وصوب ، وتحبك بلا مبررات وتمرض ان لم تراك تلهج باسمك في الغداة والرواح ، تتلبسك في كل الأشياء ، تراها في أجنحة الطيور وعثق النخيل وفي عيون الناس ، ترى البراءة في الحياة من خلال عينيها البريئتين ، تهذب سلوكك ترهف قلبك ، أنها ببساطة هكذا تحتويك وهذا هو سر البنات .
تصور أيضاً يأتي أحدهم وبلا سابق إنذار يؤذيها لترتمي بحضنك باكية ماذا سيكون شعورك تلك اللحظة من المؤكد سينتابك الغضب كما لو ان أحدهم غرس سكينا في ثناياك وهذا هو سر الحب .
تصور انك تقبلها وتحس بان حرارة قد غلفت جسدها الغض فتسارع الى لدكتور لان وجعها يؤلمك اكثر ما تتصور ، وفي الطريق تشير إليك بسبابتها خجلة بعد ان أغرت عيناها صور ملونة من على دكة البقال فتشتري لها ( مصاصة) لتنتشِ انت محلقا في فضاءات الحياة حين تشعر بسعادتها وهي تلعق ( المصاصة ) الملونة ملتصقة بك تمسح بجسدها تعبك المضني .
تصور بعد كل هذا وانت تأخذها بيدك لتمسح عن صدغها حرارة المرض وبعد ان يطمئنك الدكتور المعالج على صحتها يعود إليك وعيك فتعوادك رؤيتك للاشياء بنورها لا كما كانت مظلمة وانت تهرع حاملا جسدها المنهوك الى الطبيب كي يعالجها ، ولان الله دعاك لتكون بحضرته تدلف مكانا لزاما عليه ان يكون آمنا فهو بيت الله الذي له حرمته الكبيرة لان للمنازل حرمة فكيف ببيت الله ؟ .
وتصور بان يد آثمة تؤمن كما تدعي بصاحب الدار وتعيش في ظله الوارف وتطمح أيضاً كما تدعي بان تدخل في رحمته وجنانه تحمل تلك الأيادي في جنبيها الموت خارقة كل التعاليم السماوية التي نصت عليها قوانين السماء فبدلا لان يهدي لتلك الطفلة كبسولة علاج يشفيها من علتها لتعود نظرة جميلة تمسح عن وجه ابيها عرق التعب اليومي للحياة ، أهدتها تلك اليد المجرمة كبسولة موت بان ضغطت على زر تحمله على صدرها فتنثر المكان صدى صرخة مجرمة تدخل اسم الله عنوة لتهيل رماد المكان على رؤوس المصلين .
تصور انك في تلك اللحظة تركت الطفلة وخرجت لتتوضأ فيدفعك العصف خارجا فتفيق فلا يدخل مرمى عينيك الا الدخان الأسود وظلام الأشياء فتتلمس الأرض متكأ لتنهض فتلتصق براحة يدك بقايا ل( مصاصة ) ملونة فتهرع مسرعا يسبقكك قلبك الخائف لتقف عند ثوب مزركش مشوب بالسخام تقيس طوله بنظرك القلق فتتاكد بانه لطفل فترتبك يداك لتقلب الجسد المسجى وفي تلك اللحظة التي هي أطول من حياة وأقصر من موت تتمنى ان تسلبك الحياة كل شيء الا هي . فمالذي يمكن ان تتصور بعد ان انسدلت آخر صورة ممكن ان تملأ عينيك الحزينتين !؟.
هذا ما حدث للطفلة مريم شهيدة مسجد الوردية في مدينة الحلة اثر العمل الإرهابي لكن ما لم يحدث بان أباه لم يسعد بحمل جثتها كما صورته في السطور أعلاه لان سعادته أكبر كونه وهي الان في ظلال الله تلتصق به وتمسح عنه بيدهاالغضة حزن فراق الأحباب فيما اليد الأخرى تحمل ( مصاص) من نوع خاص تتلذ به الى ما لانهاية .
مقالات اخرى للكاتب