يعتبر تداول السلطة اهم ركن من اركان الديمقراطية التي لا تقام الا به ومن خلاله، وهو شرط اساسي لتأسيس النظام الديمقراطي في اي بلد، وقد وضع العديد من المجتمعات الغربية عبر تجاربها المرة مع الانظمة الدكتاتورية والسلطات الشمولية قيودا قانونية صارمة على من يتولى شؤونها الادارية سواء كانوا رؤساء حكومات أو جمهوريات وحددوا مدة حكمهم بدورتين انتخابيتين وامد كل دورة اربع سنوات، وفي اغلب الاحيان لا يتجاوز الحاكم عن هذه المدة القانونية يوما واحدا مهما كان وطنيا ومحبوبا من قبل الجماهير او قدم اعمالا جليلة للوطن والمواطنين لكي لا يتحول بمرور الزمن الى دكتاتور محتكر للسلطة، فاسد يكدس الاموال ويستخدم منصبه لمصلحته أو لمصلحة حزبه وجماعته أو عشيرته وبالضد من مصلحة المواطنين، ولم يكتفوا بذلك بل شددوا عليه الرقابة من كل الجهات ووضعوه تحت الرقابة المشددة للمؤسسات الديمقراطية والاعلامية المتعددة، مجالس «الشيوخ» و«البرلمان» والمؤسسات «القضائية» والقنوات الاعلامية والصحفية، وتابعوا حركاته وسكناته لحظة بلحظة وما يصدر منه من تصريحات أو تلميحات وأي غلطة يرتكبها سواء عن قصد او عن غير قصد بحيث تنعكس على هيبة الدولة وتؤثر على سمعتها ومصالحها العليا، فانه سيحاسب بشدة وقد يجبر على تقديم الاستقالة والاعتذار من الشعب وطلب الصفح منه، ولو لم يكمل فترة رئاسته، كما في حالة الرئيس الاميركي «ريتشارد نيكسون» في فضيحة «وترغيت» التي تورط فيها عام ( 1974) مما ادى الى تقديم استقالته فورا وطلب الغفران من الشعب الاميركي، او كما في حالة الرئيس الاسرائيلي «موشي كساف» الذي حوكم على اثر فضيحته «الغرامية» وأجبر على الاستقالة من منصبه عام 2010، كذلك الامر بالنسبة لرئيس جمهورية التشيك «فاكلاف كلاوس»، ولنفس السبب، وعشرات الحالات الاخرى التي اضطر فيها السياسيون الغربيون الى تقديم استقالاتهم لاقل هفوة يرتكبونها، وفي بلداننا العربية ضرب الرئيس السوداني الرائع» عبدالرحمن سوار الذهب «اروع مثال على الشعور بالمسؤولية، هل تتذكرون هذا الرجل العظيم الذي تنازل عن السلطة وسلم مقاليد الحكم للمدنيين عام 1985 طواعية..و لم تكن مسألة الاستقالات بأمر طارئ عند رؤساء الحكومات العراقية في «العهدالملكي»، وليس في عهد الانقلابات الثورية والانتخابات المزورة، ففي اول تأسيس للوزارة (عام 1920) برئاسة «عبدالرحمن النقيب»، استطاع في غضون سنتين من انشاء المؤسسات والوزارات الحكومية وانتخاب ملك وعندما انتهى من مهمته، قدم استقالته ليشكل شخص اخر وهو عبدالمحسن السعدون الوزارة (1922) ولم يقل انا اسست دولة العراق وانا الذي مهدت الطريق لدخول العراق الى عصبة الامم وانا الذي شكلت المجلس التأسيسي (البرلمان) بل قدم استقالته بهدوء الى الملك.. وكذلك فعل «السعدون» الذي شكل اربع وزارات ومن بعده جعفر العسكري (1924و1927) وكذلك فعل توفيق السويدي الذي تقلد الوزارة لاربع مرات وضرب «نوري السعيد» اروع مثال، فقد تولى رئاسة الوزراء 14 مرة من (1930 الى 1958) مرة بعد مرة يقدم استقالته ويكلفه الملك بتشكيل وزارة اخرى الى ان اطاح به الزعيم «عبدالكريم قاسم» في انقلاب عسكري دموي، وكان هذا الانقلاب نذير شؤم على العراقيين اذ مهد لظهور انظمة استبدادية وحكام جائرين يرفضون تداول السلطة ولا يؤمنون بثقافة الاستقالات تحت اي ظرف من الظروف، وظل الحال على هذا المنوال لغاية هذا الوقت، ورغم سقوط النظام الدكتاتوري السابق، ومجيء نظام «ديمقراطي» دستوري يؤمن بتداول السلطة، فان مفهوم القائد «الضرورة» والزعيم «الاوحد» مازال يعشش في عقلية رئيس الوزراء الحالي «نوري المالكي» الذي رفض بشدة الدعوات المتكررة للكتل السياسية والمكونات العرقية والدينية بالاستقالة، رغم فشله الذريع في كافة الميادين والمجالات، السياسية والاقتصادية والخدمية والثقافية، وازدادت في عهده البطالة والفقر وانتشر الفساد والامية حتى اصبح العراق في المرتبة الثالثة في قائمة الدول الاكثر فسادا في العالم بحسب منظمة الشفافية العالمية، لكنه مع ذلك يصر على ترشيح نفسه لولاية ثالثة ورابعة والى ما لا نهاية.. وهنيئا للعراقيين بالديمقراطية الجديدة.