من بين جميع الأخبار التي بثتها وكالات الانباء حول التفجيرات التي حدثت امس الأربعاء ، استوقفني خبر شعرت بالأسى والحزن أمامه، ففي صبيحة ذلك اليوم عثرت دورية للشرطة على جثة شاب اعدم رميا بالرصاص ..الدورية التي تعرفت على هوية الشاب اتصلت بالاب فكانت المفاجاة ، ان الرجل ذهب يدفن شقيق له قُتل نتيجة انفجار عبوة ناسفة في احدى شوارع بغداد ، ولم يعرف الأب الأسباب التي دفعت المسلحين لمهاجمة ولده كما فشلت الأجهزة الأمنية، في الكشف عن هوية منفذي الهجوم.هكذا استيقظ الناس على أربعاء دام جديد، أربعاء يتبعه خميس اكثر دموية حتى نسي العراقيون تسلسل الأيام الدامية، لكن الأربعاء يبقى عالقا في الذاكرة، حتى أصبح هذا اليوم شؤما ونحسا، يقول الباحث رشيد الخيون ان ليوم الأربعاء في الذاكرة العراقية حوادث شؤم لا تعد، واعتقاد نحس قديم، وكان قد جمعها في مقال بعنوان "نواحس الأربعاء "، ومنها: اجتياح المغول بغداد ، وقبلها تدفق انهار من الدم على يد الحجاج بن يوسف الثقفي.وبرغم هذا التاريخ المليء بالدماء الا ان صورة الشاب الذي وجد نفسه بين مخالب موت مجهول الهوية هي التي ظلت راسخة في ذاكرتي، يمكنني ان أتخيل بماذا كان يحلم هذا الشاب، ما هي الكلمة الأخيرة التي سمعها، هل كان مهتما بالمؤتمر الوطني الذي يحاول الحكيم انة يجمع به " صبيان " السياسة ، ام بتطمينات القادة الأمنيين من أن قواتنا قادرة على حماية المنجز الأمني؟ربما كانت صورة القادة الأمنيين والساسة الذين يرفضون الجلوس الى طاولة حوار ، آخر ما ارتسم في خيال الشاب القتيل قبل ان يجرب الحلم المستحيل. لم يتح لهذا الشاب ان يصحو على نهار جديد خال من أخبار القتل والمفخخات،لكن مخيلته استطاعت ان تخزن صورة حلم جديد ببلاد يسودها الأمن والإخاء،اخذ هذه الصور معه وغادر بفضل طلقات مجهولة الهوية في الوقت الذي كان فيه الوالد المكلوم يدفن شقيقه الذي أنهت حياته عبوة مجهولة الهوية أيضاً.معظم من قتلوا يوم الأربعاء الدامي كانوا ممن يحلمون بنهار جديد يختفي فيه صوت السياسي الذي يزمجر غضبا وهو يهدد ويتوعد بالأسوأ ان لم يحصل على ما يريد.الذين قتلوا في الأربعاء الأسود الأخير كانوا ينظرون الى صور الساسة المتخاصمين حتى مع انفسهم ولصورة القادة الامنيين الذين يتفرجون على حقل السيارات الناسفة العراقي،
فجميهم يتمتعون بروح الرفض، ، يأنفون ثقافة الحوار. يريدون حرب دائمة وهدنات كاذبة. .فيما الأب يقطع الطريق مشياً على الأقدام الى مقبرة يثوي فيها جثمان شقيقه، ولم يكن يدري ان قدميه ستأخذانه بعد أيام الى مقبرة جديدة أخرى ستضم جسد ابنه الذي أوصاه قبل الرحيل ان لا يخاف، فقد أعلن قبل ساعات ان كل شيء تحت السيطرة وان قواتنا الأمنية ستملأ الفراغ، وان الساسة في طريقهم الى التراضي .. وان السيد لقائد العام للقوات المسلحة كلف اللواء "عفوا " اقصد الفريق الركن قاسم عطا ليتولى ادارة مكتب القائد العام للقوات المسلحة .. ولم ينسى الاب ان يذكر ابنه بالفريق عطا كان يظهر عليهم ليبشر العراقيين جميعا بالنصر المؤزر قائلا: " ان القوات الامنية استطاعت ان تقضي على القاعدة " ، وذكره كيف كان الفريق عطا يفرد عضلاته أمام شاشات الفضائيات وهو يصر على اننا نعيش زمن الازدهار والاستقرار .. خرج الشاب من البيت مطمئنا ما دامت ابتسامة قاسم عطا ستعود تملا الشاشات من جديد ، فيما الاب المسكين كان يعتقد انه يعيش في ظل دولة للقانون يتساوى الجميع أمامه ، فإذا به
مام دولة لها أكثر من قانون يشجع جرائم النصب والاحتيال واستغلال المنصب وترهيب الناس وقتلهم على الهوية .
مقالات اخرى للكاتب