ان تحقيق التغيير و الوصول الى التطوير يعد من الاهداف الاساسية للتربية بمفهومها المعاصر، ويرى الكثير من التربويين ان ازمة التعليم في الوطن العربي لم تأتِ بسبب الفقر او نقص الموارد ، وانما تنبع في اساسها من ازمة ادارة التعليم ، وتعد الادارة الناجحة من الركائز الاساسية في عملية التطوير ، فهي المسؤولة عن تخطيط السياسات التعليمية ورسمها واتخاذ القرارات الكفيلة بتحقيق تلك السياسيات التعليمية ورسمها واتخاذ القرارات الكفيلة الكفيلة بتحقيق تلك السياسات وتنفيذ الاهداف وتنظيم العمل ومتابعة عمليات التنفيذ و تقويمها وتؤلف هذه العمليات كيانا مترابطا منظما وكل عملية تؤثر وتتأثر بالعمليات الاخرى.
تشتهر معظم الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية"اللامركزية في التعليم " حيث يسمح هذا النظام بالقيام بعملية التطوير علي مستوى كل مؤسسة تعليمية "مدرسة، إدارات ومديريات تعليمية " بِحرية وطبقاً لوضع وظروف كل مؤسسة .
في الولايات المتحدة الأمريكية، يسود النظام اللامركزي في التعليم، حيث إنه وفقــًا للدستور استبعدت الحكومة الفيدرالية عن ضبط التعليم، وتكفَّلت بهذه المهمة، حكومة كل ولاية، من خلال المجالس التربوية، ولكل منطقة مدرسية، داخل الولاية مجلس خاص، له مطلق الاستقلال في إدارة شؤون المدارس التابعة له، تمتد صلاحياته إلى فرض ضرائب محلّية، للإنفاق على المدارس، وفقـــًا لاحتياجاتها المالية، ويشير ستينيت إلى أن بعض المناطق تبنَّت الإبداع في المناهج، كقوّة دافعة أساسية، في جهودها نحو اللامركزية، التي زادت من التزام الهيئات، وتضاعف المسؤولية على المخرجات التعليمية، وانخراط أولياء الأمور في النشاط المدرسي، وتحسين آلية اتخاذ القرارات التربوية والتعليمية..إلاَّ أن دراسة ولستيتر، ترى أن نجاح اللامركزية، في مدارس الولايات الأمريكية، لم يكن مكتملًا، ولا مثاليـًا، بالدرجة التي يظنها البعض، بل كان سببـــًا في تدني مستوى مادة الرياضيات، في عدد من المدارس، وقارن بين مدرسة طبَّقت اللامركزية بشكل جيد، ومن ثم حققت نجاحــًا ملحوظــًا، وأخرى تقلَّصت نجاحاتها، ففي الأولى كان المدير يسهّل التغيير، ويعطي انتباهــًا أوليــًا للبناء الهيكلي في المدرسة، مما أدَّى إلى توفير بيئة مناسبة، للمشاركة الأكثر فاعلية في صنع القرار، لقد صار المعلّمون هم قادة التدريس، بينما المدير هو مركز النظام، سمح للمجتمع بتفعيل مصادر ودعم مدخلات إضافية.. وكان الفشل في الأخرى، نتيجة عدم رغبة المديرين في تقاسم السلطة، خوفـــًا من فقدان السيطرة، وهذا أدَّى إلى إحباط دوافع الهيئة، وإعاقة عملية الإصلاح، فقد تمركز صنع القرار، على مسائل ليست بالمستوى من الأهمية، في ظل غياب الرؤية الجماعية، وتصارع المصالح الشخصية.
و تتيح اللامركزية في التعليم قيام كل مؤسسة تعليمية بوضع خطط للنهوض بالعملية التعليمية وفقاً لإحتياجاتها ومتطلباتها.و هناك ثلاث أنماط رئيسية من اللامركزية وتتمثل فيما يلي :
1- نقل سلطة اتخاذ القرارات الإدارية فقط مع الاحتفاظ ببعض القرارات للمستوى الأعلى .
2- نقل كل السلطات والمسئوليات لمدير المدرسة مع الاحتفاظ بالسلطات والمسئوليات المالية .
3- نقل كل السلطات والمسئوليات بما فيها التعليم والمنهج والمالية للمدرسة ، وفي المقابل نظام محاسبي صارم جداً .
واهم الدراسات في هذا المجال و التي نقترح على وزارة التربية و التعليم تبنيها في خطط مستقبلية لاصلاح التعليم في العراق ، دراسة اجرتها اليونسكو عام 2005 Decentralization in Education; National Policies and Practices, هدفت الى تحليل التقارير عن السياسات و التجارب التي تم عرضها في "مؤتمر اللامركزية في التربية" المنعقد في الارجنتين عام 2003 وشاركت في عشر دول .
ومن اهم نتائج هذه الدراسة ان التوجه نحو اللامركزية كان من اهم خطوات التجارب الدولية نحو الاصلاح التربوي وان من اهم الصعوبات التي واجهت تلك التجارب اختيار نمط اللامركزية المناسب لكل دولة ، وايجاد مصادر التمويل الكافية والمناسبة و القيام بتدريب الكوادر وتقويمها وكانت السياسات التنظيمية من اكبر التحديات التي واجهت عمليات تطبيق اللامركزية.
وظهرت عام 2005 دراسة بعنوان "هل تؤدي اللامركزية الى تطور المدرسة؟
Dose Decentralization Lead to School Improvement? De Grauwe
هدفت الى معرفة رأي الاداريين في المناطق التعليمية و المدارس بواقع اللامركزية في الادارات التعليمية في مجموعة دول غرب افريقيا واستخدم الباحث استبانة موجهة الى مديري التربية ومديري المدارس وقد اسفرت الدراسة عن نتائج اهمها هناك في عملية تنفيذ اللامركزية و اهم جوانب القصور ضعف المشاركة المجتمعية في عملية اتخاذ القرار من جهة وي عملية التمويل من جهة اخرى وتداخل المهام و الاختصاصات مابين مديريات وادارت المدارس وضعف الترابط بين اهداف الادارات و حاجات سوق العمل.
وعام 2008 كتبت Susanne Mayhandvich دراسة بعنوان
Decentralization of Education Promising Initative of Problematic Nation
" اللامركزية في التربية : مبادرة طموحة لامة تعاني من الصعوبات"
وتوصلت الى مجموعة من الاسس لتطوير الادارة التربوية في كندا من خلال عملية التوجه نحو اللامركزية ودعت الى تحفيز الاداريين نحو التحول الى اللامركزية ونشر ثقافة اللامركزية والاقتناع بضرورتها كاداة تطوير ،وتوفير التمويل الكافي من مصادر متنوعة لدعم السلطات المحلية ومنح السلطات المحلية السلطات الصلاحية بمطالبة الهيئات المحلية بالمزيد من التمويل و العمل على تحقيق التوازن بين السلطة و المسؤولية واعادة هيكلة التنظيم الاداري و توزيع المسؤوليات ووضوح القرارات و الصلاحيات الممنوحة والحيلولة دون تداخل صلاحيات السلطة المحلية و المركزية من خلال ثبات المعايير ووضوحها.
واهم المقترحات لتعزيز وتطبيق اللامركزية تتلخص في :
1-توفير الدعم المادي الكافي لادارات المدارس سواء من خلال توفير مصادر تمويل متنوعة ام من خلال منح الصلاحيات اللامركزية الكافية لدعم مصادر التمويل.
2-تحقيق التكامل و التنسيق ما بين الادارات المركزية و الادارات المدرسية.
3-اعادة تأهيل الكوادر البشرية وتدريبها بما يمكن من تطبيق اللامركزية في المدارس.
4-اعادة تأهيل الكوادر البشرية وتدريبها بما يمكن من تطبيق اللامركزية في المدارس.
5-رفد ادارات المدارس بقاعدة شاملة عن المعلومات والتطبيقات فيما يتعلق باللامركزية وتطوير اساليب التواصل بين الادارات.
6-ضرورة اعتماد شرط حصول المدير على درجة دكتوراه او ماجستير في التأهيل التربوي والادارة التربوية في عملية التعيين.
7-نشر ثقافة اللامركزية في المحيط المدرسي ، وتعزيز المشاركة المجتمعية فيما يتعلق بالتمويل واتخاذ القرارات التربوية.
8-توضيح مهام ومسؤوليات المدير وتحديد معايير دقيقة عن جودة الاداء بما يتفق مع تطبيق اللامركزية.
ان الاصلاح الحقيقي يبدأ من اصلاح التعليم وقد سعت كل الدول التي رغبت في تطوير اقتصادها وسياستها وكوادرها واركانها بشتى المجالات بالبدء من التعليم وتصحيح السياسة الادارية لهذا الحقل الاهم في البلاد .وان اتاحة اللامركزية في التعليم تتيح مجالا واسعا لانجاز ثورة حقيقية في العراق تكفل فيها الحكومة الانصاف و العدالة لكل فئات المجتمع بما يتطلب و حاجاتهم وواقعهم .