يبتهج المراسل "الحربي" مستمعا الى ضيفه "الامني" وهو يعدد الاسلحة الموجودة لديهم في الموقع الذي يتحدثون منه . وكذلك حال مذيعة " عبقرية " تسال ضيفها العسكري عبر الهاتف : "ما هي خططكم لاستعادة المدينة ؟"، فيصدح صوته بتفصيل الخطة وكيف انهم سيشنون حجوما من شمال المدينة وشرقها في عملية "مباغتة" للعدو. العراقيون يتفوقون على أغلب شعوب العالم في طول فترات الحروب والاضطراب الامني الذي عانوه – ومازالوا- لكنهم لم يتعلموا "أخلاق الحروب" ولا متطلباتها . هل يعقل ان يكشف ضابط على الهواء ما في وحدته من معدات وأسلحة ، وأن يقوم الاخر بشرح خطة الهجوم المعدة والتي يفترض ان تكون سرية ؟.هذا إذا إفترضنا حسن الظن الذي يقترب عندها من الغباء الشديد.
الخلل أيضا يعود الى إعلامنا الذي يهيمن على الكثير من العاملين فيه الجهل والغفلة ، بحيث يسألون ضيوفهم عن أمور يفترض أن تكون أسرارا . ليس هذا مكمن الخلل الوحيد في إعلامنا عموما ، وفي زمن الحرب خصوصا . لا أتكلم عن الاعلام المتماهي مع داعش والمتصدي لمهمة الحرب الاعلامية ، بل إعلامنا الوطني الذي يفترض أن يواجه الحرب . هي حرب إعلام قبل السلاح الحربي . تلفزيونيا ، تنقصنا الصورة المواكبة لتطور العمليات وأخبار التقدم العسكري الذي يتحقق . ينقصنا الخطاب الموضوعي ،والوعي من الوقوع في فخ الترويج للمجموعات الارهابية . هذه المجموعات تعتمد أسلوب إثارة الرعب في نفوس خصمها . فترتكب المجازر وتصورها وتنشرها على نطاق يؤمن الدعاية لها ، وفي نفس الوقت التاثير في نفوسنا ومعنوياتنا، فلا يمكن لمحطاتنا إعادة عرض تلك الصورة مقدمة في ذلك (دون قصد) خدمة للعدو ومساعدة في تحقيق هدفه النفسي .
الحرب الاعلامية اليوم لا تقتصر على التلفزيون ، بل ان شبكة الانترنت باتت ميدانا فعالا لنشاط هذه المجموعات . لا يستهدف نشاطها ساحتنا فقط بل يتعداها الى الساحات الاخرى من أجل إشاعة خطابها وأكاذيبها لكسب التأييد لها . هناك أكثر من خمسة الاف حساب على التويتر، ومثلها على باقي مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب وبلغات عدة . من هنا نرى السياسيين ، ومن ورائهم الاعلام في الكثير من الدول العربية والغربية يتحدث بلغة داعش وحاضنتها السياسية والجغرافية في العراق , يرددون أباطيل وادعاءات لا واقع لها على الارض .
نحتاج الى جيش ألكتروني يواجه هذه الهجمة المستفيدة من أحدث التقنيات في هذا المجال .
مقالات اخرى للكاتب