بعد الانجاز اللافت الذي حققته حركة "تمرد" المصرية التي جمعت في غضون فترة قصيرة اكثر من 24 مليون توقيع كانت كافية لاسقاط محمد مرسي وحكم الاخوان المسلمين في مصر , ظهرت تساؤلات في الشارع العراقي مثل هل بالامكان ظهور حركة "تمرد" عراقية تتمكن من جمع تواقيع مليونية كافية للضغط على الحكومة وايقاظها من سباتها الامني والخدمي؟ الاجابات تعددت بين امكانية حصول ذلك في حال توحد العراقيون وغلبوا الهوية الوطنية على الهويات الفرعية العرقية والطائفية والمناطقية فضلا عن الحزبية والفئوية. وبين من ينصحنا بان "نمش بوزنا" لاننا ومنذ سنتين جربنا كل انواع الحراك الشعبي الذي لم يثمر الا عن تجمعات شبابية هنا وهناك تمكن بعضها من جمع تواقيع لاتكفي لاسقاط بائع "كبة السراي" في شارع المتنبي حيث يزدهر الحراك عندنا كل جمعة ليسبت طوال ايام الاسبوع.
المشكلة ان لم نقل المصيبة التي نعانيها نحن في ارض السواد وبلاد ما بين النهرين وميزو "ديروا بالكم مو الشربت" بل بلاد ميزوبوتاميا وارفع راسك انت عراقي بان كل شئ عندنا بمن في ذلك الحراك الشعبي هو اسقاط فرض لا اكثر وليس همة وتضحية و"اللي يريد شي يعوف شي". لذلك فان كل الحكومات وكل الحكام لدينا مطمئنون عبر التاريخ ليس لنوع وطبيعة وشكل ومستوى وسطحية وعمق الحراك والتظاهر والثورة والغضب بل مطمئنون لمستوى التصفيق الجماهيري لهم.
ربما ثمة من يقول ان هذا ظلم وتجن لان لدينا كل انواع الحراكات الشعبية. مظاهرات في المحافظات الغربية منذ اكثر من سبعة شهور وقبلها تظاهرات وتجمعات في ساحتي التحرير والفردوس يعني على غرار "ميدان التحرير" و"رابعة العدوية" في مصر بلا تشابيه . وجمع شتى انواع التواقيع مرة لتخفيض راوتب الرئاسات الثلاث ومرة للحفاظ على الهوية الوطنية "انا عراقي" ومرة دعما لفوزية كاظم ومظهر محمد صالح واخرى تنديدا باعتقال صحفي فرنسي اسمه دندول واخرى ضد اعتقال المفكر احمد القبانجي واخيرا وليس اخرا في سلسلة هذه "القشمريات" جمع تواقيع ضد غزوة الكرادة لغلق المقاهي واخرى لالغاء رواتب اعضاء البرلمان.
في مصر لايوجد تشتيت للجهود بهذه الطريقة الفجة التي من شانها تقوية اضعف حكومة في العالم ومدها بكل عناصر القوة والثبات, ناهيك عن منحها مساحة واسعة من التحرك "براحتها" لان بامكانها القول لكل من يتهمها بكبت الحريات وعدم احقاق الحقوق بانها منحت الشعب حق التظاهر وجمع التواقيع ومنع حامد المالكي من مقابلة نوري المالكي ولكن المشكلة ليست في انا الحكومة بل في الحراك الشعبي. والازيد من ذلك ان الحكومة "تخش" بعين واذن وخشم اكبر واحد قائلة له .. ان هذه "القشمريات" لاتسقط حكومات.
مرة واحدة صدقت الحكومة وذلك عند اول جمعة تظاهر عام 2011 حيث جاءت بكل انواع مكافحة الارهاب والشغب والادغال وحشرة الدوباس واللقاح ضد حية سيد دخيل حتى خلا لها الجو في الجمع التالية فباضت واصفرت عند جسري التحرير والاحرار وصولا الى ساحة الفردوس. الجهة الوحيدة القادرة الان على تشكيل حركة تمرد عراقية هي الطبقة السياسية القادرة على جمع "ملايين المصفقين" من ابناء الشعب الغياري تاييدا لها بسبب تعطيلها القوانين المهمة. بل لم تعد هناك حاجة من وجهة نظر الشعب لاصدار أي قانون جديد بعد ان صارت .. الحاجة بربع.
مقالات اخرى للكاتب