لم تعرف الانسانية في تاريخها الطويل رجلاً - بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام ولم يسجّل لأحد من الخلق بعد خاتم الرسل (ص) من الفضائل والمناقب والسوابق، ما سجّل للامام علي (ع)، وكيف تحصى مناقب رجل كانت ضربته لعمرو بن عبد ود العامري يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين، وكيف تعد فضائل رجل أسرّ أولياؤه مناقبه خوفا، وكتمها أعداؤه حقداً، ومع ذلك شاع منها ما ملأ الخافقين، وهو الذي لو أجتمع الناس على حبه - كما يقول الرسول الأكرم (ص) لما خلق الله النار. هو أفضل الأمة مناقباً، وأجمعها سوابقاً، وأعلمها بالكتاب والسنة، وأكثرها إخلاصاً لله تعالى وعبادة له، وجهاداً في سبيل دينه، فلولا سيفه لما قام الدين، ولا أنهدت صولة الكافرين. وقد سعت أبواق اعلام بني أمية الجاهلية والمضللة ورواة زورهم وكذبهم ودجلهم ونفاقهم كل سعيهم لإخفاء مكارم ومحاسن وفضائل الحق والحقيقة والصراط المستقيم والعدالة السماوية والانسانية والايمان ذلك القرآن الناطق ووصي رسول رب العالمين (ص) وخلفه من بعده دون فصل الامام علي بن أبي طالب (ع) فلم يتمكنوا وأجبروا على نقلها من جيل الى جيل كما جاء العشرات منها في كتاب "فضائل الصحابة" للامام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل – الجزء الأول والثاني ، وأخريات في كتاب "جمل من أشراف الانساب" للامام أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري ، وعشرات الكتب المعتبرة الاخرى ناهيك عما جاء في المستدرك والنيسابوري والصحيحين وغيرهما. الحديث عن أمير المؤمنين الأمام علي بن ابي طالب عليه السلام طويل، لا تسعه المجلدات، ولا تحصيه الأرقام، حتى قال ابن عباس "لو أنّ الشجرَ اقلامٌ، والبحرَ مدادٌ، والإنس والجن كتّاب وحسّاب، ما أحصوا فضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام" فكيف بمقالنا الصغير هذا. لقد جاءت أكثر من (70) آية في القرآن الكريم بذكر فضائل الامام علي (ع) منها المائدة 3و55و67، والبينة 7، والسجدة 18، والرعد 7، وهود 17، والصافات 130، والاحزاب 33، والبقرة 127-128،و الضحى 5، والرعد 28، و...عشرات غيرها . لم يزل الرسول الأعظم (ص) منذ بعثته وحتى وفاته يشيد بأمير المؤمنين عليه السلام في كل ناد ومجمع، ومنتدى ومحفل، ولا يمكن إحصاء ما جاء من أحاديث الرسول الأعظم (ص) في الإمام(ع) ، وليس من كتاب يتعرض للحديث أو للسيرة إلاّ وبين دفتيه أحاديث جمّة في فضل أميرالمؤمنين (ع)، وقد عقد أرباب الصحاح، وعلماء الحديث فصولاً في كتبهم فيما جاء في فضله (ع)، وقد أفرد جمع كبير من علماء المسلمين كتباً مستقلة في فضائله(ع)، وتدوين ما ورد فيه من سيد المرسلين (ص)، وتمشياً مع هذا المختصر فقد سجلنا ثمانية أحاديث في فضله (ع):" عنوان صحيفة المؤمن حب علي" و" حامل لوائي في الدنيا والآخرة علي" و"أنا المنذر و الهادي من بعدي علي"، و"علي الصديق الأكبر"، و"علي الفاروق بين الحق و الباطل"، و"علي كفه و كفي في العدل سواء"، و"علي باب حطّة من دخله كان مؤمنا"، و"علي إمام البررة و قاتل الفجرة منصور من نصره ومخذول من خذله، و"علي إمام المتقين وأمير المؤمنين و قائد الغر المحجلين" و"علي منزلته مني كمنزلة هارون من موسى"، و"علي حقه على الأمة كحق الوالد على ولده"، و"علي مع القرآن و القرآن مع علي"، وعشرات من الاحاديث الاخرى . كل ذلك يدلل على عظمة ومنزلة ومقام الامام علي (ع) وحياته وعلمه حيث كان مصدر إشعاع للفكر، ومنهل عذب للخير، وينبوع فياض بالحكمة، ورصيد ضخم في الكمال والمعرفة، وطاقة جبارة في العلم والأدب تستوحي الأمة منها الإيمان الصادق، والعقيدة الحقة، والذود عن المبدأ، والخلق الكريم، والمُثـل والكرامة، ومدرسة كبرى للإنسانية، ومعالم وضاءة لتحقيق الحق والعدالة. الأمر الذي دفع بالقوی الطامعة والانتهازية التي خسرت مواقعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية تتحرك ضد الامام علي أمير المؤمنين (ع) وأخذت تتکاتف کل عناصر الشر والشرك والنفاق واليهودية والجاهلية التي شارکت بنحو واخر في مقاتلة "عثمان" والتحريض عليه بالأمس، لترفع اليوم شعار المطالبة بدم "عثمان" مندَدة بسياسة الامام علي (ع) العادلة والحکيمة والنزيهة فنکثت طائفة وقسطت اخری ومرقت ثالثة وحملته عشرات الحروب المدمرة والغزوات أريق خلالها دماء عشرات آلاف المسلمين ظلماً وزوراً سعياً من بني أمية وحلفائها العودة بالامة الى عهد الجاهلية قبل الاسلام . لقد أعطى أمير المؤمنين الامام عليّ(ع) كلَّ نفسه لهداية الأمة الحؤول دون انحرافها وانجرارها نحو الضلالة والظلمة؛ فأعطى من فكره فملأ الحياة فكراً، وأعطى من بطولته فملأ الحياة فتوحات، وأعطى من قوته فارتفع بالضعفاء الى مواقع القوة، وأعطى من كلِّ حركته في الحياة عندما حكم، فأخرج الحكم العادل الذي لا يهادن ولا يجامل في خطِّ الله تعالى. فمن أين انطلق علي(ع)؟ انطلق من الاسلام المنفتح على الله سبحانه وتعالى، لأنّه مستمدٌّ من الله سبحانه وتعالى، ويتحرك في طريقه، وهو الذي تتلمَذ على الاسلام والقرآن الكريم وعلى يد رسول الله(ص)، فكانت حياته في مدرسة الاسلام المحمدي الاصيل، ولهذا استطاع(ع) أن يفهم القرآن الكريم فيما لم يفهمه أحد، وأن يفهم رسول الله(ص) وسنّته كما لم يفهمها أحد. لم يتحمل القوم تلك العدالة والمساواة والعلم والحكمة والحنكة وعدم التمييز، فخططوا لقتل الانسانية والعدالة السماوية وبكل حقد وكراهية وبغض وحسد وانتقام لقتلاهم في بدر واحد وخيبر والخندق وتبوك وصفين والجمل والنهروان و... حتى استشهد عليه السلام بعد يومين من ضربة الخارجي "ابن ملجم المرادي" بسيف مسموم على رأسه الشريف وهو قائم يؤم حشود المصلين المؤمنين في مسجد الكوفة صبيحة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك سنة أربعين من الهجرة ، حيث قام أهل بيته الكرام بغسله ودفنهِ سراً في صبيحة يوم الحادي والعشرين من الشهر المبارك ذاته بمدينة النجف الاشرف وأخفي قبره الشريف مخافة الخوارج و"معاوية" لعنهم الله.