مدرستان ونظرتان. مدرسة التاريخ التي يعتد ويهيم بها رشيد الخيون، ومدرسة الجغرافيا التي لا يعترف بغيرها القشطيني. يرى زميلنا الخيون أن كل ما يجري في عالمنا العربي يعود لما وقع في تاريخه من أحداث وحروب ومنازعات و«قتولات» وسرقات. أما المدرسة القشطينية فتنظر لما يجري في عالمنا العربي هذا كنتائج للوقائع الجغرافية من جبال وأنهار وبحار ومعادن. وهكذا فبينما تجد الخيون محاطًا في صومعته بكتب المسعودي والطبري وابن خلدون، تجد زميله القشطيني جالسًا في حديقته يتصفح أطلس ريدرز دايجست ويراقب الفراشات والطيور.
من المنطلق الأول، كتب الدكتور رشيد مؤخرًا عن سقيفة بني ساعدة وأعطانا تاريخها (كعادته) 11 هـ. أما القشطيني فلا يرى في حكاية السقيفة سوى وجود تكنولوجيا بروليتارية بدائية قادرة على نصب أعمدة خشبية تحمل سقفا من سعف النخيل. كل ما قيل عنها وما جرى فيها خلاف ذلك لا يخرج عن نطاق القيل والقال.
من المنطلق الثاني، ذكر القشطيني في كتابه «من أجل السلام والإسلام» أن ثورة العشرين العراقية كانت جزءا من سعي إيران للوصول للبحر المتوسط. وهنا فتح مكالمة تليفونية مع الخيون يسأله عن بعض تفاصيلها، فاستغرق زميله بالضحك: «أنت يا أبو نايل لا تؤمن بالتاريخ! لماذا تسألني في إحداثياته وأيامه وأعوامه؟».
الأيام والأعوام تنطلق من لسان الخيون بالهجري والميلادي كالإنترنت فتذهل سامعيه بقوة ذاكرته ويسر التقاطه للأرقام.
أنا طبعا صاحب المدرسة الجغرافية لي أيضًا أرقامي التي أعتد بها. تحتمي إيران وراء جبال زاغروس التي يبلغ ارتفاعها 5018 مترا، وتمتد من حدود تركيا إلى مضيق هرمز بنحو 1500 كيلومتر. ولنقل شحنة من السجاد من بازار طهران إلى ميناء بيروت على ظهر بعير تستغرق أسبوعين من السير الحثيث وحراسة فصيل من الحرس الثوري. وعلى الخريطة يجري نهر الفرات لنحو ثلاثة آلاف كيلومتر، قبل أن يلتقي بنهر دجلة، ويتعرض طوال الوقت لرحمة ثلاث دول وعصابات أربع منظمات إرهابية. وتقول الخريطة إن أربع دول مجاورة تملك صواريخ يغطي مداها جميع المنطقة.
لا أدري إن كان صاحبي أبو سارة مستعدًا لتبادل أرقامي بأرقامه. سأفاوضه في الموضوع
مقالات اخرى للكاتب