الحقيقة ان الناس يظنون ويقيسون دوما الفعل الانساني على الافعال الفردية، و لا يفرقون بين الفعل الفردي والفعل الجماعي.
الفعل الفردي قائم على المحاجات العقلية و المنطقية و تحتكم للضمير و النظر للامور بزوايا مختلفة تجعله عادة يتجنب الوقوع في اخطاء كارثية، وحتى انه يبتعد عن الكراهية و الحقد و الحسد و الكثير من الصفات البشرية، وايضا هذا الفرد يكون مسالما أليفا مطيعا محبا للخير فاعلا له. لا يؤمن بالامور بسهولة، ويحمل دوما خاصية الشك و النظر البعيد للامور.
هذا الفرد نفسه، ضعه في تجمع جماهيري بشري : ستجده يفقد : خصائصه وصفاته و افعاله وافكاره وعقلانيته الفردية جميعها، وينزاح داخل المجموع ويحمل صفات وعشوائية ولاعقلانية المجموع، يصبح "غير موجود" كفرد، لذا فان الافعال تقاس جميعا لا فرديا.
وليس في الامر تعميم، فلو كنت انا، كاتب النص اعلاه، منغمس داخل مجموع جماهيري، ساكون متحدثا بنفس حديثهم، شامتا فرحا بما يجري، رغم اني سارفضه - وقد رفضته قطعيا - حين كنت فرد. فالمجموع كما ذكرت ووفقا لما فسرع غوستاف لوبون بانه كائن هلامي متوحش منصاع لا عقل ولا فكر له، يمكن توجيهه باي اتجاه يريده الموجه.
لذا فان اكثر ما يكشف لنا عن حالة هذا الكائن، هو قراءته اثناء حدث معين، وهذه احدى الاحداث-تفجير اربيل- كشفت لنا- رغم انها مكشوفة- ان الشعب العراقي (كتجمعات بشرية) لاني لا اميل حقيقة الى تسميته شعب، بل الى تجمعات سكانية تعيش وفق حالة من اللاوعي و عدم القدرة على التلائم مع الطبيعة او مع بعضها البعض، تميل دوما الى تفكيك خطابها نحو الحاجة الى الثقة بسلطة اعلى، وان تلك السلطة تنتقم لهم كثيرا، فما جرى من قبل اولئك الذين فرحوا بتفجيرات اربيل، او اي كارثة تقع على الانسان، هم يشعرون بان تلك السلطة قد انتقمت لهم وانصفتهم، لانهم يتوقعون بان _العدل الالهي_ انما يجب ان يقع على كل الناس سواسية.
هذا هو التفكير الجمعي، وتفكير العراقيين، وانا عراقي ، لست من المريخ، ولست مغتربا، اعيش في اسوء مدينة من حيث العنف و القتل و التخريب المستمر. واعيش الاحداث بصورة يومية مباشرة.
ولا اصف هذه التجمعات بدافع الحقد عليها او كراهيتها، فانا بلدي نينوى التي احتلتها قبائل بدوية رعوية عام 637 م لاتعرف قيمة الحياة و لم تتقنها مطلقا.