يعد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ثاني أعظم شخصية في تأريخ الإنسانية بعد الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم. فهذه الشخصية الفذة، إستطاعت أن تقدم للبشرية إنموذجا لإدارة الدولة في نواحي متعددة؛ ففضلا عن كونه أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تفسير القرآن الكريم ومعرفته أين ومتى وبمن نزلت آيات القرآن العظيم، يعتبر من أعظم الشخصيات العسكرية والإقتصادية والسياسية، ومع هذا فإنه لم يفكر يوما طيلة حياته بمنصب يمكن من خلاله أن يستفيد منه شخصيا أو حتى أن تستفيد منه عائلته أو أقاربه للدرجة العاشرة " كما هو حاصل مع أغلب سياسيينا اليوم"
فلم يلتفت الى الدنيا وبهرجتها، وهو الذي يخاطبها بقولها " يا دنيا غري غيري إليَّ تعرضت أم إليَّ تشوقت هيهات هيهات قد بنتك ثلاثا لا رجعة فيها"، كما أنه لم يقاتل أحداً "سواءاً من المشركين أثناء الدعوة للإسلام، أم من المسلمين أثناء فترة حكمه التي دامت لخمس سنين، إنتصارا لنفسه أو لهوى غلبه، بل كان ممتشقا سيفه يضرب به الناكثين والقاسطين والمارقين إنتصار لدين الله، وعندما خلى مركز الخلافة بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، جاء إليه الناس وحملوه على قبول الخلافة حملاً، وفيها يخاطبهم بقوله " والله إن خلافتكم هذه لا تساوي شسع نعلي إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً"، فالخلافة في نظر علي " عليه السلام" ليست تشريف يمكن من خلاله الإستعلاء على البلاد والعباد، بل إنها الطريق لإرساء العدل والإحسان وتمكين الإنسان من عبادة الله كما أراد له الله أن يعبده؛ لا كما يريد الإنسان من خلال تحكيم هواه وإختراعه لنظريات من بنات عقله القاصر
السياسة في نظر علي "عليه السلام" لا تستقيم من خلال الكذب على الناس وسفك الدماء والدجل، لأنه تربية الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله وسلم" لذلك يخابطه أحدهم بقوله " لا طاقة لنا بعدلك يا علي" ومع معرفته بالدهاء والمكر فلم يستخدمه حتى مع أعتى أعدائه معاوية، حيث يقول " والله ما معاوية بأدهنى مني"
واليوم، ونحن نستطلع الوضع العراقي العام، فإننا نلاحظ الخداع والكذب والتسويف في تصرفات وأحاديث أغلب "القادة السياسيين" لمجرد أن يقتنص فرصة من الأخر والإستحواذ على صفقة من الصفقات التجارية، فمع أن هؤلاء مسلمين وكان الأجدر بهم أن يتخلقوا بمثل هذا النموذج الذي يقرأ له ويحفظ أحاديثه الناس من جميع الأديان؛ بل ويجعلهونها في أعلى بناياتهم لكي يقرأها المارة، كما في الصين " حيث كتبت إحدى أقوال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام باللغة الصينية وهي ( لو كان الفقر رجلا لقتلته)" فماذا فعل سياسيو القرن الحادي والعشرين لأبناء بلدهم وبين أيديهم ميزانية تزيد على المائة مليار دولار سنويا، غير أن يزداد الفقر يوما بعد أخر وتتعطل المشاريع وتتوقف عجلة الإقتصاد؛ إلا أن تكون جيوبهم مملوءة بالمال السحت من خلال عقدهم لصفقات لا تعدو أن تكون وهمية أوترقيعية على أحسن الإحتمالات، فمع أن الدولة الإسلامية في خلافة علي " عليه السلام" لم تكن تملك مثل هذه الميزانيات الإنفجارية، لكن لم نسمع أن أحداً جاع أو خرج ليسرق لأنه لا يجد ما يسد به قوت عياله
أخيراً، ما أحوجنا لمثل علي بن أبي طالب بين ظهرانينا ليحكم بيننا بالعدل ولا تأخذه في قول الحق وفعله لومة لائم.