رغم كل انتقادات الناس ورغم استيائهم من المواقف التركية في الفترة التي كانت فيها اربيل ودهوك مهددتين بالسقوط بيد تنظيم داعش، ورغم كل الاحتجاجات التي ينظمها كرد تركيا ضد سياسات حكومتهم تجاه الملف الكردي في سوريا، ورغم التجمعات التي يقيمونها لمنع حكومة اوغلو واردوغان من مواصلة تقديم الدعم لداعش الذي يريد انهاء الكانتونات الكردية المعلنة في سوريا.
رغم كل ذلك فان رئيس حكومة كردستان نيجيرفان بارزاني يواصل زياراته المتلاحقة الى تركيا، دون النظر للانتقادات والمواقف الرافضة التي يعلنها الكثير من المواطنين والمراقبين والسياسيين الكرد تجاه تلك الزيارات.
زيارات صارت شبه شهرية يشاركه فيها عدد صغير من المسؤولين وعلى رأسهم وزير الموارد الطبيعية آشتي هورامي.. زيارات يقول معارضوها بأنها ذات طابع حزبي ولا يمكن تصنيفها بالزيارات الحكومية خاصة ان العديد من تلك الزيارات تجري "بغياب تمثيل بعض الاطراف الكردية فيها".
لا احد يعرف لماذا يصر رئيس الحكومة على زيارة تركيا، في حين ان بامكانه ارسال وفد وزاري لحضور أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي.. ولماذا يرفض تصديق ان تركيا تساعد تنظيم داعش ضد الكرد انفسهم، مع انكشاف ذلك تماما عقب توالي التقارير الاستخبارية الدولية التي تثبت تورط تركيا في دعم التنظيم والتي أكدتها تصريحات القنصل التركي في الموصل.
القنصل أوزتوك يلماز، الذي أفرج عنه مع 48 دبلوماسيا آخر، قال كيف لتنظيم داعش أن يحتجزنا لـ 101 يوما ونحن نرى عناصره في تركيا يأكلون ويتسوقون ويتلقون العلاج في مستشفيات بلادنا، وكان كل ذلك بعلم الأجهزة الاستخباراتية في تركيا.
رئيس الحكومة، يصر على تجاهل الانتقادات، وغض النظر عن الدور التركي في هجمات داعش على مقاطعة كوباني السورية ومحاولته لانهاء الادارات الكردية الذاتية في سوريا، وتناسي التقارير التي تحدثت عن ضبط أسلحة تركية بيد مقاتلي التنظيم الذين هاجموا اربيل.
السؤال الذي تتباين الاجابات بشأنه كما الآراء حوله، يظل يتردد في المجالس الكردية: ترى هل يوجد رئيس حكومة في العالم يزور دولة مجاورة لأكثر من عشر مرات خلال اشهر قليلة؟
لكن ذات رئيس الحكومة يرفض التوجه الى بغداد، رغم ان نحو 1.3 مليون موظف يتطلعون الى تلك الزيارة علها تضمن ارسال رواتبهم المتاخرة منذ ثلاثة اشهر، الى جانب عشرات الآلاف من صغار التجار وكبار المستثمرين الذين أصاب الشلل اعمالهم وتوقفت مشاريعهم وهم في انتظار مستحقاتهم المتأخرة منذ أكثر من نصف عام.
ومهما كانت الاسباب، موضوعية سياسية او فنية، فهناك ملايين ينتظرون حلولا لمشاكلهم المادية مع حلول عيد الأضحى وانطلاق الدراسة في الاقليم بما تتطلبه من مصاريف كبيرة، وآخرون وهم بمئات الآلاف ينتظرون حلولا لمشاكلهم الأمنية مع توزعهم على المدارس وانتشارهم في الحدائق دونما حتى خيم تمنع عنهم الريح والمطر. وهناك آخرون يطالبون بحسم ملفات المناطق المتنازع عليها وقانون النفط والغاز والمجلس الاتحادي، حتى تبنى اسس الدولة السليمة او يمضي كل طرف ليقرر منفردا مصيره.
تستمر المعاناة دون افق واضح للحل، فيما يتأمل الحزب الديمقراطي المشهد بروية، وينظر في الشخصية التي ستشغل منصب وزير المالية في الحكومة العراقية، تارة يقولون انه روز نوري شاويس، وتارة يقولون ان الامر حسم لهشيار زيباري.
الناس لا يهمها حسابات الديمقراطي الكردستاني، ولا من يكون الوزير هناك. يهمها أن يكون هناك وفد وتمثيل كردي مؤثر في بغداد ووزراء اقوياء يجيدون اداء اعمالهم، وان يتمكنوا في اقناع حكومة حيدر العبادي باعادة ارسال الرواتب المتوقفة وبشكل منتظم، وانهاء كل اشكال الظلم والتجاوز على حقوق الكرد.
لا احد يعرف لماذا يتأخر الكرد في ارسال وفدهم التفاوضي الى بغداد، ولماذا حين يقررون ارسال الوفد يرسلون قيادات الصف الثاني في امور مصيرية يتطلب حسمها شخصيات من الصف الأول تكون هي صاحبة القرار، في حين يتقاطرون على تركيا في مناسبة ودونها.
ربما المسألة تتعلق بالمطالب التي ترفض بغداد التعهد بتنفيذها، وربما بالكرامة ومبدأ عدم التنازل لبغداد... لكن ماذا عن كرامة الناس التي أهدرتها الديون ودوامات الحاجة من جهة وهجمات داعش من جهة ثانية، تلك الهجمات التي أدت الى احتلال مدن كردية وقتل المئات من سكانها وخطف الآلاف ونزوح اكثر من 500 الف مواطن، مدن سقطت في ايام وسيكون من الصعب استعادتها واعادة وضعها الى ماكانت عليه في سنوات.
مقالات اخرى للكاتب