واجهت كركوك صبيحة يوم الجمعة الحادي والعشرين من تشرين اول الجاري محاولة ارهابية كبيرة تعتبر المحاولة الارهابية الاكبر في العالم، بسبب العدد الكبير من الارهابيين والانتحاريين المشاركين فيها, في وقت ووضع عسكري وامني تجري فيه عملية عسكرية واسعة لتحرير مدينة الموصل وتنتظر الحويجة يوم تحريرها.
هنا احاول ان اقدم قراءة لضخامة هذا الهجوم وهذا النصر الكبير الذي سجله الكركوكيون والذي الحق الهزيمة بالارهابيين واثار دهشة العالم اجمع.
بعد سقوط نظام البعث غدت كركوك هدفا واضحا للارهابيين على مختلف مسمياتهم وابتداءا من البعث وانصار السنة وجيش النقشبندية وكتائب ثورة العشرين والقاعدة وصولا الى داعش، وعملت هذه الجماعات على الاستفادة من اي فرصة متاحة لالحاق الاذى بكركوك، ومن حسن الحظ ان نصيبهم كان على الدوام الفشل. فمنذ عام 2003 وشهريا بل واسبوعيا يتم تبليغ القوى الامنية العراقية في المدينة ان أماكن اجهزة السلطة الرسمية سواء كانت بناية المحافظة او مديرية الشرطة ستكون هدفا لاعمال ارهابية، وان كل هذه التحذيرات وعلى طول السنين الماضية لم تتضمن المعلومات الضرورية ومع ذلك تعاملت معها الشرطة بحذر.
في المحاولة الاخيرة جهاز المخابرات العراقي اتهم سلطات المدينة بالتقصير وانهم اي جهاز المخابرات سبق وان بلغ بالامر، الا أن هذا البلاغ كان مثل بلاغات السنوات الماضية يخلوا من المعلومات، وان هذه الابنية والمقار كانت هدفا لهجمات الارهابيين ولكنهم على الدوام لم يصلوا الى هدفهم المنشود.
الجيش العراقي وقوات البيشمركة شرعوا في الاستعداد منذ فترة لتحرير الحويجة ولكن العملية لا تزال مؤجلة، في الوقت الذي تجمع في هذه البقعة اخطر الدواعش الارهابيين من الامراء والقادة الفارون من ديالى والانبار وتكريت وحزام بغداد وبقية المناطق، وتحولت الحويجة بذلك الى اكبر موقع لتجمع عقول داعش الارهابية الخطيرة، ناهيك عن تطلع تركيا الخطير الى الاستحواذ على اراضي
عراقية ودورها القذر في اثارة الاضطرابات عن طريق ملفات الموصل وكركوك، لاختلاق الذرائع للابقاء على قواتها وجودها الغير مرحب به على الاراضي العراقية.
كركوك مدينة متعددة المكونات الدينية والقومية والمذهبية, ومدينة غنية اقتصاديا وبالاخص في مجال الثروات الطبيعية مثل النفط والغاز الفوسفات, وكذلك في المجال الزراعي والثروة الحيوانية، وكذلك في التجارة والصناعة، اضافة الى الجانب الثقافي الذي يعكس التنوع المكوناتي للمدينة، وان اي كركوكي اصيل لا بد ان يتحدث لغتين على الاقل او ثلاثة او اربعة.
اتبعت الحكومات السابقة منذ تأسيس الدولة العراقية ولحد الان سياسات تعسفية تهدف الى تعكير صفو العلاقة بين مكونات كركوك وتعايشها مع بعضها البعض وتدمير علاقاتها الثقافية والاجتماعية، وصدرت مئات القوانين والقرارات غير الدستورية لاجل ذلك، بالسعي باستمرار لفرض نفوذ من هم غرباء على ابنائها، وتم سلب نفطها باستمرار ولم يحضى ابناؤها الا بدخانه الذي يملأ حناجرهم، واصبح شعب كركوك الان اكبر ضحايا العلاقة بين اقليم كردستان وبغداد.
على مدى سنتين الماضتين قامت هذه المدينة بإيواء اكثر من 105 الاف عائلة نازحة من مدن الفلوجة والرمادي وديالى وتكريت والموصل والحويجة, لا بل واحتضت لاجئين من بغداد ايضا، ووصل تعداد هؤلاء النازحين الى اكثر من 650 الف نسمة وهذا يعني انهم باتوا يشكلون ثلث سكان المدينة، تقاسم هؤلاء النازحين مع الكركوكيين الكهرباء والماء, والمدرسة والجامعة, والمستشفى والادوية, والبيوت والمعيشة والرزق.
في وقت الذي اتفقت فيه كل من حكومة الاقليم والحكومة العراقية على نفط كركوك وشرعت الميزانية العراقية على اساس هذا الاتفاقـ فان اي من هذين الطرفين لم يلتزم بحقوق المدينة المالية, وتعامل الطرفان مع الكركوكيين كمواطنين من الدرجة الثانية، ونشعر سواءككورد او عرب او تركمان اومسيحيين بذلك وفي كل يوم,واننا في كل قطاعات الحياة والاقتصاد في العراق نوضع في المستوى الثاني.
ربما تشعرون اني خرجت عن الموضوع، ولكن اشرت الى كل تلك الحقائق لتوضيح الامر للقراء, فمع بداية الهجوم الاخير على كركوك شرعت عدد من القنوات الاعلامية المقربة من دول الخليج وتركيا, الذين هم من حملة فكر داعش بنشر دعايات مغرضة مختلفة، وشنت في وسائل التواصل الاجتماعي حملة واسعة بهذا الخصوص.
ومن الواضح ان الارهابيين بعد فشلهم امام همة رجال الشرطة في الاستيلاء على بناية المحافظة ومديرية الشرطة القديمة وبعض الابنية الاخرى، قاموا بالصعود الى بعض البنايات القديمة والفنادق والجوامع، حيث قامت قوات الاسايش وقوات مكافحة الارهاب بدور كبير في القضاء عليهم والحاق الهزيمة الساحقة بهم, ولم تقصر قوات البيشمركة الموكل اليها مهمة حماية مواقعها في المواجهة مع داعش في التدخل والمساعدة في القضاء على الارهابيين، اضافة الى حشد كبير من المواطنين الكركوكيين الذين كان لهم دور كبير وحاسم في تحقيق النصر الكبير.
كان امام الشارع الكوردي طريقان، اما حمل السلاح والمقاومة, او تعبئة سياراتهم بالبنزين والهرب من المدينة، لكنهم اختاروا الطريق الاول وقام الشباب بحماية امن المدينة, وعرب المدينة كانوا ايضا امام طريقان الاول اما التجاوب مع داعش الذي سيطر على مناطقهم, او اغلاق ابواب بيوتهم بوجه مسلحي داعش واختيار الصمت, والتعاون مع القوى الامنية بالمعلومات، وقد اختاروا الطريق الثاني, و الشارع التركماني كان له موقف شجاع بين هذين الخيارين في مساعدة القوات الامنية، لانهم كانوا على قناعة ان هذه القوات الامنية هي التي تحميهم وتحافظ عليهم وتصون كرامتهم, والنازحين اختاروا الطريق الذي اختاره ابناء كركوك لانهم عاشوا بامن وكرامة في ضل كرم ابناء كركوك.
ما يبعث على الاسف وقوف بعض الافراد من الكورد والعرب والتركمان الذين عايشوا هذا النصر العظيم مواقف سلبية بغية تشويه هذا النصر وحرفه باتجاهات اخرى، وتحولت الاخطاء والاجراءات غير القانونية والمزايدات والتصريحات غير المسؤولة الى مادة دسمة للقنوات الاعلامية التي تعمل على تخريب وضع كركوك وزرع الضغينة بين مكوناته.
انا اعيش في كركوك واعمل يوميا على المساعدة في حل مشاكل عشرات العوائل العربية النازحة، لكن البرلمانيين العرب من كركوك والاخرون الذي يتشدقون عبر الشاشات الصغيرة ولا يرون كركوك الا في المناسبات القومية او الوطنية، يبرزون مثل الفقاعات في قضايا مثل هذه ليعملوا على زرع الحقد والضغينة بين مكونات كركوك، وهنا اود ان اقول لهؤلاء الفارون من جماهيرهم "اين انتم من مساعدة النازحين ليعودوا الى ديارهم ومناطقهم المحررة مرفوعي الرأس؟ وسواء في ديالى او تكريت او الانبار. واتساءل "لماذ لا تعيدون النازحين من مناطق المقدادية وسليمان بك والعظيم ويثرب الى ديارهم؟، في وقت تمثل اعادة النازحين الى
ديارهم اكبر خدمة تقدم لهم،وليس تقديم سلة غذائية تبرع بها الوقف السني العراقي او الهلال الاحمر التركي واحيانا تكون فاسدة, اين انتم من مساعدة ادارة واهل كركوك في خدمة النازحين؟.
واقول لتلك الاصوات الشاذة من التركمان ان عليهم بدل التحدث والبحث عن مبرررات لاستقدام تركيا وقواتها, ان يبذلوا جهودهم من اجل تقوية وتسليح شرطة المدينة التي تضم الكثير من ابناء التركمان الذين دافعوا ببسالة عن مدينتهم، واقول لهؤلاء المسؤولين الكورد الذين شوهوا بتصرفاتهم الخاطئة هذا النصر" يكفيكم ان تهدروا دماء ابنائكم الزكية في سبيل مزاجكم الشخصي".
مقالات اخرى للكاتب