كان خدر منهمكا في كيفية اختبار ملابس ملائمة اصرت الامريكية ( ايميليا ) والسيد حازم هو الاخر امريكي من اصل فلسطيني لكي يشتروا له قبل ان يسافر الى المانيا لشموله ببرنامج الرعاية الصحية والتأهيلية الذي تبنته الحكومة الالمانية للناجين من قبضة داعش ولكن الصدفة والدهشة الاكبر لـ خدر تمثلت بأنه راى صورته وهو على فراش مستشفى الطوارىء في دهوك على شاشة كومبيوتري بعدما نجا من بين اشلاء ضحايا مجرزة كوجو التي ارتكبتها عصابات تنظيم داعش في منتصف شهر آب 2014.
خدر كان واحد من الناجين من المجزرة كنت قد التقيت به مساء السابع عشر من آب 2016 بعدما وصل الى مستشفى الطوارىء في دهوك، كان في حالة يرثى لها، الكدمات على وجهه، وجراحه كانت تنزف ويبدو وجهه شاحبا، ليلتها بقيت قرب فراش خدر ذي الـ 16 سنة لاكثر من ساعة، واليوم بعدما رأى صورته في جهاز الكومبيوتر مع الضيوف الامريكان ، لم اتمالك نفسي ذرفت الدموع مجددا لأنني في ليلتها بكيت كثيرا من اجل ضحايا مجزرة كوجو.
قال خدر وهو يسرد قصته مجددا لـ حازم وأيميليا " لم اكن اشعر يوما انني سانجو من الموت، وساصل الى مكان كهذا وارتب حالي للسفر لألمانيا ، اثناء الساعات الاولى لليوم الذي جمعونا في مدرسة القرية لازلت اتذكر اقربائي واتذكر كل الرجال الـ 33 الذين كنا في اول سيارة تم نقلنا الى الجهة الغربية من القرية استغرق الوقت حوالي عشر دقائق حيث اطلقوا الرصاص علينا جميعا ونجوت باعجوبة"
سرد خدر قصته مجددا بكثير من التأني قائلا " عندما تم جمعنا في مدرسة القرية وفصل النساء عنا قالو لنا سيتم نقلكم الى الجبل، وبعدما تحركت اول وجبة منا بسيارة كيا 2 طن كنا 33 شخصا فيها توجهت السيارة بنا باتجاه بعاج اي غربي القرية جنوبا عرفنا انه سيتم شيء اخر"
وفيما اذا كانوا يتحدثون مع بعضهم او قرروا شيئا ما قال خدر " ابدا كان الخوف والرهبة تلاحقنا لان مجموعة مسلحة ترافقنا واخرى في سيارىة قريبة منا "
خدر تحدث بهدوء وقد بدت امارات الحزن ترتسم على وجهه كأنه يعيش تلك اللحظات قائلا : لم يستغرق الوقت طويلا اسرعوا بانزالنا من السيارة وتم اصطفافنا بسرعة ثم ساد هدوء للحظات وطلبوا ان نتوجه الى وجهة مغايرة للرجال الذين رافقونا وكانوا عشرة او تسعة اشخاص يحملون رشاشات واسلحة خفيفة كثيرة ، ومباشرة سمعنا صوتا يقول ( الله اكبر – الله اكبر - الله اكبر ) وردد الاخرين ورائه نفس العبارة ثم صوت اطلاقات رمي كثيف سقطنا ارضا بسرعة وسقطت بين جثث بجانبي .
توقف خدر كأنه يستنشق انفاسه مجددا في تلك اللحظة وارتسمت دمعتان على وجهه ونظر الي قائلا : سقطت بين اشلاء الجثث ولم احرك نفسي، مضت حوالي ثلاث او اربع دقائق سمعت صوت اطلاق الرصاص مجددا على بعض الاجساد التي كانت تتحرك فأصبت باطلاقة من الخلف قرب رقبتي فصمدت ولم اتحرك وكان صوتهم يعلو بأن يضربوا كل من يحرك جسده.
اكمل خدر حديثه بالقول "مضت دقائق من الصمت الرهيب واحسست ان هناك حركة بين الاجساد التي تعرضت لاطلاق الرصاص، اسمعتهم صوتي فرأيت اربعة رجال اخرين ايضا ينهضون ومثلي يعانون من جراح مؤلمة وهم كل من ( كجى – الياس – خلف – رافد - سالم ) وساعدنا بعضنا على النهوض والمسير بعيدا عن موقع المجزرة .
اضاف خدر وقد استنشق انفاسه بسرعة وركز على المسيرة قائلا " شعرنا اننا بعيدين من الرجال الذين اطلقوا الرصاص، وسمعنا بعدها بدقائق صوت اطلاق نار مشابه للذي تعرضنا له، تماسكنا واسرعنا لمغادرة المكان وتوجهنا لقرية قريبة، كان الوقت يمضي بسرعة واصبح النهار بعد منتصفه حاولنا الاسراع للوصول للقرية قبل غروب الشمس ولكن ما يؤسف له ان اهالي قرية ( بسكى ) التي يسكنها عرب المنطقة تبعد عن كوجو مسيرة ساعة مشيا على الاقدام لم يقبلوا ان يأوونا او يساعدوننا .
تابع خدر الحديث عن مسيرة الهروب باتجاه الجبل قائلا " كانت جراحنا تلتهب بسبب حرارة الصيف وكنا نقاسي آلاما مبرحة كبيرة، لم نكن نتصور اننا سننجو ، ولكن توقفنا في حقل كبير للحنطة في قرية ( خيلو ) ألا ان حل المساء وفي الليلة الثانية وصلنا الى مشارف جبل سنجار،كانت فرحة لاتوصف ورغم ما شهدناه من مآسي ألا ان النجاة اعطى لنا شيئا من الامل بالحياة في وقت كانت صور القتل الجماعي لأهلنا تتماثل امام أعيننا والى الان.
خدر تشافى وكان يهيء نفسه للسفر الى المانيا وعندما شاهد صورته في كومبيوتري قال : هل يعقل انني اعرفك كل هذا الوقت ولم اعرف بانك كنت الشخص الذي اجرى معي مقابلة عن حدوث المجزرة ،،، نظر الى أيميليا وحازم وقال :: من شدة الصدمة لم اتذكر الكثير من الاشياء ولكن الان وقد استعدت عافيتي فان اهم شيء بالنسبة لي هو كيف سيتم ملاحقة ومحاسبة هؤلاء المجرمين لأن احاديثهم كانت معروفة بأنها لأناس قريبة من مناطقنا .
خدر فقد عشرة اشخاص من عائلته اربع اخوات واربع اشقاء ووالديه، لم ينجى منهم سوى ثلاثة من شقيقاته في مجزرة كوجو التي قامت بها داعش بعد سيطرتها على سنجار، راح ضحيتها اكثر من 400 شخص وخطف اكثر من 800 أمرأة وطفل لايزال مصير المئات منهن مجهولا .
مقالات اخرى للكاتب