منذ أن ظهرت ثقافة ذبح المخالف ـ بعد طول اختفاء ـ إلى الوجود في أفغانستان وباكستان وانتقلت مع انتقال تنظيم القاعدة الإرهابي إلى العراق؛ ونحن نحذر في كتاباتنا وأحاديثنا من أن هذه الثقافة سوف تتحول إلى فعل طبيعي جدا يمارسه الأبناء مع أهليهم وأقرانهم وأترابهم دونما تردد لأن الإنسان مهما عظم شانه وانتفخت أوداجه كبرا وخيلاء مثل الكلب تماما متى ما ولغ في دم إنسان يستطيبه ويدمن عليه إلى أن يصاب بداء الكلب ويتحول إلى وحش عقور ينهش كل من يمر بقربه بسبب فقدانه للتوازن تحت مؤثرات المرض القاتل الذي ينخر عقله.
وكذلك حذرنا العرب الذين يشجعون هذه الأفعال الخسيسة ويدعمونها ماليا وإعلاميا، ثأرا وانتقاما من مخالفيهم، أنها سوف تعود عليهم بالويل والثبور ولو بعد حين على يد من ينجو من أبنائهم الذين لوثوا فطرتهم يوم أرسلوهم إلى (الجهاد) المسخ في العراق وليبيا وسوريا، وأن من ينجو من محرقة الموت من هؤلاء الأبناء سوف يعودون إليهم محملين بالغضب وروح التمرد على كل ما هو سوي في الحياة مع فطرة ملوثة بدم الأبرياء، فيتحولون من بشر خطائين خاطئين دفعهم الخطأ نحو طريق التوحش إلى حيوانات مفترسة ممكن أن تنهش لحم الأخ والأب والابن والأم والوطن، ولكن وللأسف الشديد لم يسمع نداءنا احد منهم بعد أن أعماهم طمع الدنيا وعصبية التاريخ وثأر النزاع الدائم منذ القرن الهجري الأول وإلى اليوم.
وها هي الأحداث المتتالية تثبت صحة رأينا وتضعهم بين فكي كماشة الانتقام والندم حيث بدأت تلك الثقافة القميئة الخبيثة تنهش بهم مع قلة العائدين وانشغالهم فماذا سيحدث إذا عادوا جميعهم إلى أهاليهم؟ وماذا سيحدث إذا حُرم هؤلاء من ذبح الأبرياء بسبب تضييق القوات الأمنية عليهم أو هرب قياداتهم أو انكشاف أمرهم أو قطع مصادر التمويل والإمداد المالي عنهم.
إن الذي حذرنا منه وانتظرناه بدأ بالحدوث فعلا بهستيرية موبوءة بغضب يكفي لأن يحول من كنا نفخر به ونضربه مثلا بأنه يحمل (روحا رياضية) إلى مسخ يسحب سكينه التي كان يذبح بها الأبرياء من قبل أو التي شاهد من هم أكبر منه سنا يذبحون بها الأبرياء؛ لا ليدافع عن الدين كما كانوا يزعمون ولا ليطرد المحتل كما كانوا يهرجون، ولكن ليذبح صديقا رياضيا شابا مثله ومن أبناء ملته وعقيدته ومدينته وقريته لمجرد أن هذا الصديق يشجع فريقا رياضيا منافسا لا أكثر، هكذا بكل بساطة، وبدوافع أكثر من تافهة. حدث هذا الفعل القبيح مساء يوم الاثنين 11/3/2013 في قضاء المدائن [كانت ولا زالت منطقة ساخنة] في العراق، حيث أفاد مصدر في وزارة الداخلية العراقية، بأن احد مشجعي نادي برشلونة الإسباني قطع رأس صديقه بسكين لأنه يشجع نادي ريال مدريد المنافس، بعد إن اندلعت مشاجرة بينهما في داخل صالة للألعاب في منطقة (الجعارة) التابعة لقضاء المدائن، جنوبي بغداد. وبسبب ما مارسوه من ذبح ضد الآخر أو شاهدوا أشرطته التي تفخر القاعدة وباقي التنظيمات الإرهابية ببثها من خلال مواقعها الالكترونية؛ بات أمر ذبح الإنسان عندهم أيسر من شربة ماء، تطورت المشاجرة بين الاثنين، فأخرج مشجع برشلونة سكينا كان بحوزته وقام بذبح صديقه، ثم بعد ذبحه قام بطعنه في مناطق متفرقة من الجسد إشباعا لنزعة سادية افتراسية توحشية تملكت روحه العاهرة التي لوثوا فطرتها بفتاواهم الغبية، والتي كان يعد ما تحثه عليه وتدفعه إليه عملا صالحا يقربه إلى الله ويتيح له إذا ما (استشهد) تناول طعام الغداء مع النبي (ص) مع ثلة من أجمل حور العين وبعض الغلمان اليافعين؛ بعد أن ملأ الإفتائيون المأجورون والعملاء والمندسون عقله بخرافات وأكاذيب ودجل وشعوذة جعله لا يميز بين الحق والباطل، ولا بين العدو والصديق، ولا بين عمل الخير الذي يقرب الإنسان إلى ربه وبين ذبح الأبرياء.
إن ما حدث لم يكن عملا أهوجا عابرا، ولا مجرد خلاف بين شخصين، بل هو ناقوس خطر يحذر مما سيحدث لا حقا. وما بدا في هذه الصورة المؤلمة عملا فرديا أحمقا سوف يتحول إلى عمل جماعي طبيعي؛ حيث يتحول أي حوار في المجتمع حتى بين طفلين لم يبلغا الحلم إلى نزاع دموي ينتهي بالذبح، ويصبح الإنسان أمام خيارين إما السكوت على مضض وإما الذبح لأتفه الأسباب، فتتعطل الحياة وتتلبد العقول ويبدأ المجتمع بالانهيار الأخلاقي ثم الانهيار الكلي.
والذي أراه وآمله من ذوي المجرمين[*] الذين ذبحوا الأبرياء ولم تتمكن السلطات القضائية من إثبات الجرم عليهم أن يقوموا بتسليمهم إلى المؤسسات الصحية النفسية المختصة لإعادة تأهيلهم، وتدريبهم على العودة إلى الحياة المدنية السوية التي لا مكان لروح الافتراس والتوحش فيها، قبل أن ينقلبوا عليهم فيذبحونهم كما تذبح الخراف.
هامش
[*] ذوي المجرمين: مصطلح كانت تستخدمه القوات الأمنية البعثية والمنظمات الحزبية البعثية لتصف به عوائل آلاف الشباب الأبرياء الذين خطفوا من الجامعات والمدارس والمساجد والبيوت وأماكن العمل ثم غيبوا في المقابر الجماعية، حيث كانت العوائل تُستدعى إلى التحقيق مرة أو مرتين شهريا ويعامل أفرادها كمواطنين من الدرجة العاشرة. علما أن أيا من هؤلاء الشباب المغيبين لم يذبح في حياته ولو دجاجة أحل الله ذبحها، وقد أخذوا وغيبوا في المقابر الجماعية لمجرد أن النظام خاف من غضبتهم بعد أن دفعته طائفيته لتجويع عشائرهم وعوائلهم، مقابل بذخ غير محدود لعشائر وعوائل أخرى سميت بالعوائل والمدن البيضاء لأنها رفعت الرايات البيضاء. اللهم لا شماتة.
مقالات اخرى للكاتب