ألا نشعر بالخجل ونحن نرى شعوباً تغير مصائرها عبر احتجاجات سلمية ومنظمة.. بينما نجلس، على قارعة الطريق ننتظر مصيرنا من دون أمل في الخلاص؟ أعرف أن السؤال عبثي ولن يقدم أو يؤخر، لكن رؤية شباب مصر وهم يمارسون فعل التغيير، بينما نحن "نيام" أمر يثير الحزن والأسى.
سيقول البعض ان الواقع في مصر مختلفا، وهناك فروق كثيرة بيننا وبينهم في مجالات عدة، لكن المؤكد أننا نحن وهم نشترك في كوننا بلدين متخلفين، عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد أو بالفساد أو حتى بالاستبداد.
كثيرا من العراقيين اليوم يشعرون بالحسرة وهم يشاهدون شعب مصر يتحرك لتعديل اوضاعه وممارسة حق تغيير الحكام الفاشلين، وتجربة كل ما هو جديد.
الشعور بالحسرة قد يكون فعلا إنسانيا نبيلا، لكنه يتحول إلى نوع من البلادة والاستسلام للأمر الواقع طالما لم يقترن بفهم للواقع الذي نعيشه.
ما يفرقنا عن مصر، وأمم كثيرة أخرى سبقتنا إلى تصحيح أوضاعها المتردية، أنهم يملكون قوى حية وفاعلة للتغيير، مقابل موت الحركة السياسية الكامل في "بلاد الواق واق" .
عندما أراد شباب مصر التحرك استطاعوا حشد الملايين وأقنعوهم بالخروج إلى الشارع، الأمر الذي هز حكومة مرسي وجعلها تنفرط بسهولة!
تصوروا في حالتنا المأساوية .. كم شخصاً يستطيع أي حزب في العراق، أن يحشده إذا قرر الخروج ضد غياب الأمن، والفساد، والطائفية ؟ بالتأكيد انه لن يزيد على العشرات ، وهو عدد لا يكفي حتى لتغيير عضو مجلس بلدي.
في مقال بعنوان "الحلم أولاً" يكتب الناشط المدني المصري علاء عبد الفتاح احد الشباب الذين قادوا الانتفاضة ضد مبارك "حلمنا، فصار الحلم واقعاً لأننا آمنـّا؟ الميدان كان استعراضا كبيرا، والفعل الثوري من بوعزيزي للسفارة مشبع بالإصرار والتحدي، لكن الفعل الثوري كان بحاجة إلى جمهور، والجمهور في عصرنا هذا يعتمد على من يُحيي فيه الامل بالمستقبل .. ويعيد إليه الأحلام".
ماكتبه عبد الفتاح يثبت أن الشعب الذي يحب بلده، لا يرتضي له السقوط،، فالسقوط له نهاية واحدة هي الخراب .
حاول مرسي ومن معه أن يختطفوا انتفاضة المصريين.. متوهمين وهم يرفعون شعارات المستبد العادل.. ان الناس يمكن لها انتعيش ثانية في اقفاص الجور والحاجة والعوز وكهوف الظلام !.. فكان ان تصدى لهم شباب الحلم ببلد يرفض الاستبداد حتى وان كان يرفع شعار دولة القانون .
فيما نحن في العراق مطلوب منا جميعاً أن نصبح جبناء، وأن نمارس فضيلة الخوف.. مطلوب منك ومني أن نحمل لقب مواطن "ذليل" بامتياز، مطلوب منا أن نراقب أصحابنا ليل نهار، وأن نتحول في لمحة بصر الى مخبر سري، مهمته تنظيف البلاد من الذين يرفضون الانصياع لأوامر "مختار العصر". مطلوب منك أن تؤمن أن أصحاب السلطان يريدون حمايتك من الرذيلة، والحفاظ عليك من شرور الأعداء، و"أكاذيب" الإعلام، ومطلوب منا ألا نغادر مرحلة وصايا القائد، مطلوب منا جميعاً أن ننمي غريزة التقرب الى أولي النعم والعطايا.
علينا ان نخاف من كل الذين حولنا، والأهم أن تتخندق ضد الأعداء أصحاب الأجندات الخارجية.. علينا أن نخاف من أصحاب الرأي، ومن المنادين بدولة المؤسسات، ومن الداعين الى إشاعة العدالة الاجتماعية، وعندما تكتمل دائرة الخوف هذه، سنجد انفسنا نلجأ الى حضن أصحاب السلطة طائعين، مستسلمين طالبين العفو والأمان.
مطلوب منا ان نخرج في تظاهرات لنجدة أشقائنا في البحرين، بينما الملايين من شعبنا يعيشون تحت خط الفقر، مطلوب منا ان نغضب لان الشرطة فتشت بيت رجل دين في السعودية.. فيما نرفض ان نملأ ساحات الوطن باصواتنا ضد الفشل الحكومي في مواجهة عصابات القاعدة.. نهتف من اجل تحرير البحرين، فيما بلادنا على شفى هاوية بسبب صبيانية وتعنت مسؤولينا الكبار.
كنت أتمنى لو أن اصحاب تظاهرات التنديد بمقتل المصري حسن شحاتة واعتقال رجل الدين البحريني لو انهم واجهوا تظاهراتهم من اجل نصرة أهالي الأحياء الفقيرة في البصرة وميسان ونينوى وصلاح الدين وبابل والنجف.
لقد امتلأت صفحات الفيسبوك وافتتاحيات الصحف بشجب ما حدث في البحرين والسعودية، وذهب الأمر ببعض المحافظات ان تسير تظاهرات للتنديد بتعسف حكام هذه البلدان.. لكن هذه الاحزاب اصيبت بداء "البكم والصم" إزاء الحوادث المروعة الذي يتعرض لها العراقيون كل يوم..
منذ عشر سنوات والكوارث تحيط بنا من كل جانب، لكن أيا منها لم يكن كافيا لكي يخرج الشعب لتنديد والاستنكار والرفض.
ايها العراقيون الصمت على ما يجرى من قتل وتهجير وفساد، هو نوع من الاعتراف بضعف القدرة،، الصمت لن يعطينا صكاً بالنجاة من مخطط تدجين الشعب، المواقف لا تكون مواقف إلا في لحظات الاختبار الحقيقية.. ولا تكتسب مصداقيتها، إلا في أوقات التحديات.. هذا وقت عصيب، إذا سعى كل منا لكي يحمي نفسه، فإنما يحمي مصالح الفاسدين والانتهازيين، والقتلة.