بعد مشاهدة اللقاء المتلفز الذي بثته القناة الفضائية العراقية قبل أيام، حيث إلتقى رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي بعدد من المعنيين بالشأن الإقتصادي والسياسي، تذكرت حكاية: ذَبّ البراءة، التي ظهرت بعد إنهيار الجبهة الوطنية التقدمية التي شكلت بموجب إتفاق بين حزب البعث العربي الإشتراكي والحزب الشيوعي العراقي، حيث قامت مديريات الامن، آنذاك، بفتح ابواب معتقلاتها وجندت اعداد كبيرة من الجلادين ليفعلوا ما يحلوا لهم بالشيوعيين وإنتزاع الإعترافات منهم. مَن قَرر الصمود، من الشيوعيين، امام قسوة التعذيب المتواصل من اجل الدفاع عن مبادئه فانه سيموت أثناء التعذيب ومن نجا فسيتم عرضه على محكمة الثورة وهناك سيلاقي حكمه الجاهز بالاعدام او المؤبد ومن لم يستطع فإنه مُطالب بالتوقيع على ورقة جاهزة يعلن فيها براءته من الحزب الشيوعي، وما ان يخرج من معتقل مديرية امن مدينته او منطقة سكناه حتى يقال عنه: ذَب براءة.
كان الهدف من اللقاء المذكورهو قيام المالكي ب" ذَب براءة " من كل الإنهيار الأمني والخدمي والسياسي الذي يحدث وانه يقاتل بمفرده ضد التحديات التي تواجه العراق !!!!! ويثق بالنوايا الطيبة ولا يقدم الدعم الى المليشيات (مجالس الاسناد التابعة له خارج تصنيف المليشيات) ويتعرض للخداع من نوابه ومن الوزراء في حكومته الذين يصورون له الوضع في العراق بشكل زائف ومغاير لواقع الحال ويقدمون له أرقام غير دقيقة عن واقع الخدمات.
كما سعى وعبر اعلانه بعدم صحة الإعلان المتواصل عن الانتهاء من ازمة الكهرباء وتصديرها الى الخارج ( في احد خطبه امام مجموعة من الشركات الكورية قال: ان العراق سيوفر الطاقة الكهربائية على مدار الساعة خلال العام الحالي 2013) للتملص من التدهور المريع في مجال الخدمات وخصوصا الكهرباء والقى باللوم على نوابه، مثلما سعى للتملص من الإنهيار الأمني، طبعا تناسى انه وزير الداخلية وكالة وان ما تقوم به هذه الوزارة واداراتها واجهزتها " تحت ستار فرض الأمن" قد تحول الى كابوس حقيقي يجثم على انفاس العراقيين. ولعل الهروب الكبير لسجناء تنظيم القاعدة من سجني "ابو غريب والتاجي" هو الحدث الأبرز الذي يثبت فشل خطط وتدابير الجهات المعنية بالأمن وعلى رأسها وزارة الداخلية.
عمليا، فان نوري المالكي هو رئيس مجلس الوزراء في العراق وانه وبحكم هذا المنصب يتمتع بصلاحيات واسعة النطاق وانه يتحمل المسؤولية الكاملة عن أي خلل خدمي واداري او خرق أمني وان وصوله الى هذا الموقع جاء عبر نظام المحاصصة الطائفية، الكارثة السياسية الكبرى التي تعبث بالعراق، وحيث كان للمالكي وحزبه دورا كبيرا في ترسيخه وتشريعه اثناء مراحل كتابة الدستور. فكان المالكي وحكومته خلال السنوات الماضية التجسيد العملي والصريح لهذا النظام.
لاتحتاج القضية الى" ذب براءة" من قبل المالكي ان كان حريصا كما يدعي، بل تحتاج الى جرأة حقيقية في مواجهة النفس والواقع المزري وكشف الملفات التي طالما تحدث عنها ولوح بها في صراعاته مع الخصوم السياسيين والشركاء في الحكم.
ان الصدق والجرأة والصراحة تتطلب من المالكي ان "يذب إستقاله" من الحكم ويريح نفسه من هذه المعاناة والخداع والكذب الذي يحيط به وان يتفرغ للقيام باعمال اخرى .
مقالات اخرى للكاتب